معاني القرآن، ج ٢، ص : ١٥
أنك تقول فى الكلام : بسم اللّه المجريها والمرساها. فإذا نزعت منه الألف واللام نصبته «١». ويدلّك على نكرته قوله :(هذا «٢» عارِضٌ مُمْطِرُنا) وقوله :(فَلَمَّا رَأَوْهُ «٣» عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) فأضافوه إلى معرفة، وجعلوه نعتا لنكرة. وقال الشاعر «٤» :
يا ربّ عابطنا لو كان يأملكم لا قى مباعدة منكم وحرمانا
و قال الآخر :
و يا رب هاجى منقر يبتغى به ليكرم لمّا أعوزته المكارم
و سمع الكسائىّ أعرابيّا يقول بعد الفطر : ربّ صائمه لن يصومه وقائمه لن يقومه.
وقوله :(سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ [٤٣] (قالَ) نوح عليه السلام (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) فمن فى موضع نصب لأن المعصوم خلاف للعاصم والمرحوم معصوم. فكأنه نصبه بمنزلة قوله (ما لَهُمْ بِهِ «٥» مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ) ومن استجاز رفع الاتباع أو الرفع فى قوله :
و بلد ليس به «٦» أنيس إلّا اليعافير وإلّا العيس
لم يجزله الرفع فى (من) لأن الذي قال :(إلّا اليعافير) جعل أنيس البرّ اليعافير والوحوش، وكذلك قوله (إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ) يقول : علمهم ظنّ وأنت لا يجوز لك فى وجه أن تقول : المعصوم عاصم.
ولكن لو جعلت العاصم فى تأويل معصوم كأنك قلت : لا معصوم اليوم من أمر اللّه لجاز رفع (من) ولا تنكرنّ أن يخرج المفعول على فاعل ألا ترى قوله (مِنْ «٧» ماءٍ دافِقٍ) فمعناه واللّه أعلم : مدفوق

(١) على أنه سال.
(٢) الآية ٢٤ سورة الأحقاف.
(٣) الآية ٢٤ سورة الأحقاف.
(٤) هو جرير من قصيدة يهجو فيها الأخطل
(٥) الآية ١٥٧ سورة النساء.
(٦) فى ا :«بلد ليس بها» وبلد محرف عن بلدة كما هى رواية سيبويه ١/ ٣٦٥. واليعافير أولاد الظباء واحدها يعفور. والعيس بقر الوحش لبياضها.
(٧) الآية ٦ سورة الطارق.


الصفحة التالية
Icon