معاني القرآن، ج ٢، ص : ٢٧٧
خاضعة : وفى ذلك وجوه كلّها صواب. أوّلها أن مجاهدا جعل الأعناق : الرجال الكبراء. فكانت الأعناق هاهنا بمنزلة قولك : ظلّت رءوسهم رءوس القوم وكبراؤهم لها خاضعين للآية «١». والوجه الآخر أن تجعل الأعناق الطوائف، كما تقول : رأيت الناس إلى فلان عنقا واحدة فتجعل الأعناق الطّوائف والعصب وأحبّ إليّ من هذين الوجهين فى العربيّة أن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون فجعلت الفعل أوّلا للأعناق ثم جعلت (خاضِعِينَ) للرجال كما قال الشاعر :
على قبضة موجوءة ظهر كفّه فلا المرء مستحى ولا هو طاعم «٢»
فأنّث فعل الظهر لأن الكف تجمع الظهر وتكفى منه : كما أنك تكتفى بأن تقول : خضعت لك رقبتى ألا ترى أن العرب تقول : كلّ ذى عين ناظر وناظرة إليك لأن قولك : نظرت إليك عينى ونظرت إليك بمعنى واحد فترك (كلّ) وله الفعل وردّ إلى العين. فلو قلت : فظلّت أعناقهم لها خاضعة كان صوابا. وقد قال الكسائىّ : هذا بمنزلة قول الشاعر :
ترى أرباقهم متقلّديها إذا صدىء الحديد على الكماة «٣»
و لا يشبه هذا ذلك لأن الفعل فى المتقلّدين قد عاد بذكر الأرباق فصلح ذلك لعودة الذكر. ومثل هذا قولك : ما زالت يدك باسطها لأن الفعل منك على اليد واقع فلا بدّ من عودة ذكر الذي فى أول الكلام. ولو كانت فظلت أعناقهم لها خاضعيها كان هذا البيت حجّة له. فإذا أوقعت الفعل على الاسم ثم أضفته فلا تكتف بفعل المضاف إلا أن يوافق فعل الأول كقولك ما زالت يد عبد اللّه منفقا ومنفقة فهذا من الموافق ١٣٣ ب لأنك تقول يده منفقة وهو منفق ولا يجوز كانت يده باسطا لأنه باسط لليد واليد مبسوطة، فالفعل مختلف، لا يكفى فعل ذا من ذا، فإن أعدت ذكر اليد صلح فقلت : ما زالت يده باسطها.
(٢) سبق هذا البيت فى ١٨٧ من الجزء الأول. وفيه «مرجوة» فى مكان «موجوءة».
(٣) الأرباق جمع الربق وهو حبل فيه عدة عرا يشد فيها صغار الشاء لئلا ترضع. والكماة : الشجعان