معاني القرآن، ج ٢، ص : ٢٩٨
أصبح رآه أسود، فقال أعبدا سائر الليلة، كأنه قال : ألا أرانى أسرت عبدا منذ ليلتى. وقال آخر :
أ جخفا تميميّا إذا فتنة خبت وجبنا إذا ما المشرفيّة سلّت «١»
فهذا فى كل تعجّب خاطبوا صاحبه، فإذا كان يتعجّب من شىء ويخاطب غيره أعملوا الفعل فقالوا : أثعلب ورجل يفرّ منه، لأن هذا خطاب لغير صاحب الثعلب. ولو نصب على قوله أيفر رجل من ثعلب فتجعل العطف كأنه السّابق. يبنى على هذا. وسمعت بعض بنى عقيل ينشد لمجنون بنى عامر :
أ ألبرق أم نارا لليلى بدت لنا بمنخرق من ساريات الجنائب
و أنشدنى فيها :
بل البرق يبدو فى ذرى دفئيّة يضىء نشاصا مشمخرّ الغوارب
و أنشدنى فيها :
و لو نار ليلى بالشريف بدت لنا لحبّت إلينا نار من لم يصاقب
فنصب كل هذا ومعه فعله على إضمار فعل منه، كأنه قال أأرى نارا بل أرى البرق. وكأنه قال.
ولو رأيت نار ليلى. وكذلك الآيتان الأخريان فى قوله (أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ).
وقوله : قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [٦٥] رفعت ما بعد (إلّا) لأن فى الذي قبلها جحدا وهو مرفوع. ولو نصبت كان صوابا. وفى إحدى القراءتين (ما فعلوه «٢» إلا قليلا منهم) بالنصب. وفى قراءتنا بالرّفع. وكلّ صواب، هذا إذا كان الجحد الذي قبل إلا مع أسماء معرفة «٣» فإذا كان مع نكرة لم يقولوا إلا الاتباع لما قبل (إلّا) فيقولون : ما ذهب أحد إلّا

(١) الجخف أن يفتخر بأكثر مما عنده. والمشرفية : السيوف.
(٢) الآية ٦٦ سورة النساء وقراءة النصب لابن عامر
(٣) ش :«معروفة»


الصفحة التالية
Icon