معاني القرآن، ج ٢، ص : ٣٠٨
و قوله : أَوَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً [٥٧] قالت قريش : يا محمد ما يمنعنا أن نؤمن بك ونصدّقك إلّا أن العرب على ديننا، فنخاف أن نصطلم «١» إذا آمنّا بك. فأنزل اللّه (أَ وَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ) نسكنهم (حَرَماً آمِناً) لا يخاف من دخله أن يقام عليه حدّ ولا قصاص فكيف يخافون أن تستحلّ العرب قتالهم فيه.
وقوله :(يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْ ءٍ) و(تجبى «٢») ذكّرت يجبى، وإن كانت الثمرات مؤنثة لأنك فرقت بينهما بإليه، كما قال الشاعر :
١٤٠ ب إنّ امرأ غرّه منكنّ واحدة بعدي وبعدك فى الدنيا لمغرور
و قال آخر «٣» :
لقد ولد الأخيطل أمّ سوء على قمع استها صلب وشام
و قوله : وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها [٥٨] بطرتها : كفرتها وخسرتها ونصبك المعيشة من جهة قوله (إِلَّا مَنْ «٤» سَفِهَ نَفْسَهُ) إنما المعنى واللّه أعلم - أبطرتها معيشتها كما تقول :
أبطرك مالك وبطرته، وأسفهك رأيك فسفهته. فذكرت المعيشة لأن الفعل كان لها فى الأصل، فحوّل إلى ما أضيفت «٥» إليه. وكأنّ نصبه كنصب قوله (فَإِنْ طِبْنَ «٦» لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) ألا ترى أن الطيب كان للنفس، فلمّا حوّلته إلى صاحب النفس خرجت النفس منصوبة لتفسّر معنى الطيب. وكذلك ضقنا به ذرعا إنما كان المعنى : ضاق به ذرعنا.

(١) الاصطلام : الاستئصال.
(٢) هى قراءة نافع وأبى جعفر ورويس راوى يعقوب
(٣) هو جرير يهجو الأخطل. والقمع بزنة عتب وضرب : ما يوضع فى فم السقاء ونحوه ثم يصب فيه الماء والشراب، استعاره لفرجة الاست. والصلب جمع صليب. والشام جمع شامة وهى علامة تخالف البدن وكانت أم الأخطل كالأخطل نصرانية
(٤) الآية ١٣٠ سورة البقرة
(٥) ا «أضيف»
(٦) الآية ٤ سورة النساء


الصفحة التالية
Icon