معاني القرآن، ج ٢، ص : ٣١٠
إقبالك وإدبارك يؤذينى لأنهما فعل والفعل يردّ كثيره وتثنيته إلى التوحيد، فيكون ذلك صوابا.
وقوله : إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ [٧٦] وكان ابن عمّه (فَبَغى عَلَيْهِمْ) وبغيه عليهم أنه قال : إذا كانت النبوّة لموسى، وكان المذبح والقربان الذي يقرّب فى يد هارون فما لى؟
و قوله :(وَ آتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) نوؤها بالعصبة أن تثقلهم، والعصبة هاهنا أربعون رجلا ومفاتحه : خزائنه. والمعنى : ما إن مفاتحه لتنىء العصبة أي تميلهم من ثقلها فإذا أدخلت الباء قلت : تنوء بهم وتنىء بهم، كما قال (آتُونِي «١» أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) والمعنى : ائتوني بقطر أفرغ عليه، فإذا حذفت الباء زدت فى الفعل ألفا فى أوّله. ومثله (فَأَجاءَهَا «٢» الْمَخاضُ) معناه : فجاء بها المخاض. وقد قال رجل من أهل العربيّة : إن المعنى «٣» : ما إن العصبة لتنوء بمفاتحه فحوّل الفعل إلى المفاتح كما قال الشاعر :
إن سراجا لكريم مفخره تحلى به العين إذا ما تجهره «٤»
و هو الذي يحلى بالعين. فان كان سمع بهذا أثرا فهو وجه. وإلّا فإنّ الرجل جهل المعنى. ولقد أنشدنى بعض العرب :
حتى إذا ما التأمت مواصله وناء فى شقّ الثّمال كاهله
يعنى الرامي لمّا أخذ القوس ونزع مال على شقّه. فذلك نوؤه عليها. ونرى أن قول العرب :
ما ساءك وناءك من ذلك، ومعناه ما ساءك وأناءك، إلّا أنّه ألقى الألف لأنه متبع لساءك، كما قالت العرب : أكلت طعاما فهنأنى ومرأنى، ومعناه، إذا أفردت : وامرأني، فحذفت منه الألف لمّا أن أتبع ما لا ألف فيه.

(١) الآية ٩٦ سورة الكهف.
(٢) الآية ٢٣ سورة مريم.
(٣) انظر ص ٩٩، ١٣١ من الجزء الأول. [.....]
(٤) يريد أنه خرجه على القلب.


الصفحة التالية
Icon