معاني القرآن، ج ٢، ص : ٣٢٤
و لا أشتهى ذلك والقول فيه أنه مثل ضربه اللّه فقال : أتكفرون بالبعث، فابتداء خلقكم من لا شىء أشدّ. فالإنشاءة من شىء عندكم يأهل الكفر ينبغى أن تكون أهون عليه. ثم قال (وَ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى ) فهذا شاهد أنه مثل ضربه اللّه. حدّثنا أبو العبّاس، قال حدّثنا محمّد قال حدّثنا الفرّاء قال حدّثنى حبّان عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عبّاس قال (وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) : على المخلوق، لأنه يقول له يوم القيامة : كن فيكون وأوّل خلقه نطفة ثم من علقة ثم من مضغة.
وقوله : كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ [٢٩] نصبت الأنفس لأن تأويل الكاف والميم فى (خيفتكم) مرفوع. ولو نويت به - بالكاف «١» والميم - أن يكون فى تأويل نصب رفعت ما بعدها. تقول فى الكلام : عجبت من موافقتك كثرة شرب الماء، وعجبت من اشترائك عبدا لا تحتاج إليه.
فإذا وقع مثلها فى الكلام فأجره بالمعنى لا باللفظ. والعرب تقول : عجبت من قيامكم أجمعون وأجمعين، وقيامكم كلّكم وكلّكم. فمن خفض أتبعه اللفظ لأنه خفض فى الظاهر. ومن رفع ذهب إلى التأويل. ومثله (لِإِيلافِ «٢» قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) أوقعت الفعل «٣» من قريش على (رِحْلَةَ) والعرب تقول : عجبت من تساقطها بعضها فوق بعض، وبعضها، على مثل ذلك : هذا إذا كنوا. فإذا قالوا سمعت قرع أنيابه بعضها بعضا خفضوا (بعض) وهو الوجه فى الكلام لأن الذي قبله اسم ظاهر، فأتبعوه إيّاه. ولو رفعت (بعضها) كان على التأويل.
وقوله : فِطْرَتَ اللَّهِ [٣٠] يريد : دين اللّه منصوب على الفعل، كقوله (صِبْغَةَ «٤» اللَّهِ).
وقوله (الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) يقول : المولود على الفطرة حتى يكون أبواه اللذان ينصّرانه أو يهوّدانه. ويقال فطرة اللّه أن اللّه فطر العباد على هذا : على أن يعرفوا أنّ لهم ربّا ومدبّرا.

(١) هذا بدل من الضمير فى (به) أي بالمذكور.
(٢) صدر سورة قريش.
(٣) يريد (إيلاف) المضاف لقريش.
(٤) الآية ١٣٨ سورة البقرة.


الصفحة التالية
Icon