معاني القرآن، ج ٢، ص : ٣٣٤
فالسّبب فى ذلك أنّ أبا سفيان بن حرب وعكرمة بن أبى جهل وأبا الأعور السّلمىّ قدموا إلى «١» المدينة، فنزلوا على عبد اللّه بن أبىّ بن سلول ونظرائه من المنافقين، فسألوا رسول اللّه أشياء يكرهها، فهمّ بهم المسلمون فنزل (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ) فى نقض العهد لأنه كانت بينهم موادعة فأمر بألّا «٢» ينقض العهد (وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ) من أهل مكّة (وَ الْمُنافِقِينَ) من أهل المدينة فيما سألوك.
وقوله : ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [٤] إنما جرى ذكر هذا لرجل كان يقال له جميل بن أوس ويكنى أبا معمر. وكان حافظا للحديث كثيره، فكان أهل مكّة يقولون : له قلبان وعقلان من حفظه فانهزم يوم بدر، فمرّ بأبى سفيان وهو فى العير، فقال : ما حال الناس يا أبا معمر؟ قال : بين مقتول وهارب. قال : فما بال إحدى نعليك فى رجلك والأخرى فى يدك؟
قال : لقد ظننت أنهما جميعا فى رجلىّ فعلم كذبهم فى قولهم : له قلبان. ثم ضم إليه (وَ ما جَعَلَ).
وقوله : وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ [٤] أي هذا باطل كما أن قولكم فى جميل باطل. إذا قال الرجل : امرأته عليه كظهر أمّه فليس كذلك، وفيه من الكفّارة ما جعل اللّه. وقوله (تُظاهِرُونَ) خفيفة قرأها يحيى «٣» بن وثّاب. وقرأها الحسن (تظهّرون) مشدّدة بغير ألف. وقرأها أهل المدينة (تظّهّرون) بنصب «٤» التاء، وكلّ صواب معناه متقارب العرب تقول : عقّبت «٥» وعاقبت «٦»، (عَقَّدْتُمُ «٧» الْأَيْمانَ) و(عاقدتم) (وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ «٨»)
(٢) ا :«ألا».
(٣) المعروف أن هذه قراءة عاصم. أما ابن وثاب فإنه قرأ - فيما نقل ابن عطية - بضم التاء وسكون الظاء وكسر الهاء مضارع أظهر، وفيما حكى أبو بكر الرازي بتخفيف الظاء وتشديد الهاء : تظهرون : وانظر البحر ٧/ ٢١١
(٤) سقط فى ا.
(٥، ٦) ذكر هذا الفراء عند قوله تعالى فى سورة الممتحنة :«وَ إِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ» وقد فسر هذا بأن تكون لكم العقبة أي التوبة ومعنى هذا الغنيمة.
(٧) الآية ٨٩ سورة المائدة. وقراءة (عاقدتم) لابن ذكوان عن ابن عامر.
(٨) الآية ١٨ سورة لقمان.