معاني القرآن، ج ٢، ص : ٤١٥
أحدهما : أن العرب إذا أخبرت عن رجل بفعلين ردّوا الآخر بثمّ إذا كان هو الآخر فى المعنى. وربّما جعلوا (ثمّ) فيما معناه التقديم ويجعلون (ثم) من خبر المتكلّم. من ذلك أن تقول : قد بلغني ما صنعت يومك هذا، ثمّ ما صنعت أمس أعجب. فهذا نسق من خبر المتكلّم.
وتقول : قد أعطينك اليوم شيئا، ثمّ الذي أعطيتك أمس أكثر، فهذا من ذلك.
والوجه الآخر : أن تجعل خلقه الزوج مردودا على (واحدة) كأنه قال : خلقكم من نفس وحدها، ثمّ جعل منها زوجها. ففى (واحدة) معنى خلقها واحدة.
قال : أنشدنى بعض العرب :
أعددته للخصم ذى التعدّى كوّحته منك بدون الجهد «١»
و معناه الذي إذا تعدى كوّحته، وكوّحته : غلبته وقوله : وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [٧] يقول : يرضى الشكر لكم. وهذا مثل قوله :
(فَاخْشَوْهُمْ «٢» فَزادَهُمْ إِيماناً) أي فزادهم قول الناس، فإن قال قائل : كيف قال (وَ لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) وقد كفروا؟ قلت : إنه لا يرضى أن يكفرو. فمعنى الكفر : أن يكفروا. وليس معناه الكفر بعينه. ومثله ممّا يبيّنه لك أنك تقول : لست أحبّ الإساءة، وإنى لأحب أن يسىء فلان فيعذّب «٣» فهذا «٤» ممّا يبيّن لك معناه.
وقوله : نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ [٨].
يقول : ترك الذي كان يدعوه إذا «٥» مسّه، الضر يريد اللّه تعالى. فإن قلت : فهلّا قيل : نسى من

(١) ورد فى اللسان (كوح) عن أبى عمرو.
(٢) الآية ١٧٣ سورة آل عمران.
(٣) ش :«و يعذب».
(٤) ش : ب «و هذا».
(٥) ا :«إذ».


الصفحة التالية
Icon