معاني القرآن، ج ٢، ص : ٤١٨
و قوله : أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ [١٩].
يقال : كيف اجتمع استفهامان فى معنى واحد؟ يقال : هذا ممّا يراد به استفهام واحد فيسبق الاستفهام إلى غير موضعه يردّ الاستفهام إلى موضعه الذي هو له. وإنّما المعنى - واللّه أعلم - : أفأنت تنقذ من حقّت عليه كلمة العذاب. ومثله من غير الاستفهام قوله :(أَ يَعِدُكُمْ «١» أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) فردّ (أنكم) مرّتين، والمعنى - واللّه أعلم - : أيعدكم أنّكم مخرجون إذا متمّ وكنتم ترابا. ومثله قوله :(لا تَحْسَبَنَّ «٢» الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) فردّ (تَحْسَبَنَّ) مرّتين ومعناهما - واللّه أعلم - لا تحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا بمفازة من العذاب. ومثله كثير فى التنزيل وغيره من كلام العرب.
وقوله : فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [٢٢] و(عن ذكر اللّه) كلّ صواب. تقول :
اتّخمت من طعام أكلته وعن طعام أكلته، سواء فى المعنى. وكأنّ قوله : قست من ذكره أنهم جعلوه كذبا فأقسى قلوبهم : زادها قسوة. وكأن من قال : قست عنه يريد : أعرضت عنه.
وقوله : كِتاباً مُتَشابِهاً [٢٣] أي غير مختلف لا ينقض بعضه بعضا.
وقوله (مَثانِيَ) أي مكرّرا يكرّر فيه ذكر الثواب والعقاب.
وقوله :(تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) : تقشعرّ خوفا من آية العذاب إذا نزلت (ثُمَّ تَلِينُ) عند نزول آية رحمة.
وقوله : أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ [٢٤].
يقال : إن الكافر تنطلق به الخزنة إلى النار مغلولا، فيقذف به فى النار، فلا يتّقيها إلّا بوجهه وجوابه من المضمر «٣» الذي ذكرت لك.

(١) الآية ٣٥ سورة المؤمنين.
(٢) الآية ١٨٨ سورة آل عمران.
(٣) أي أهذا الذي يتقى بوجهه سوء العذاب خير أم من ينعم فى الجنان.


الصفحة التالية
Icon