معاني القرآن، ج ٢، ص : ٥
الإنسان ثم استثنى من الإنسان لأنه فى معنى الناس، كما قال تبارك وتعالى :(وَ الْعَصْرِ «١» إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) فاستثنى كثيرا من لفظ واحد لأنه تأويل جماع.
وقوله - عزّ وجلّ - : فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ [١٢].
يقول : يضيق صدرك بما نوحيه إليك فلا تلقيه إليهم مخافة أن يقولوا : لو لا أنزل عليك كنز. فأن فى قوله :(أَنْ يَقُولُوا) دليل على ذلك. وهى بمنزلة قوله :(يُبَيِّنُ «٢» اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) و(من) تحسن فيها ثم تلقى، فتكون فى موضع نصب كما قال - عز وجل :(يَجْعَلُونَ «٣» أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) ألا ترى أن (من) تحسن فى الحذر، فإذا ألقيت انتصب بالفعل لا بإلقاء (من) كقول الشاعر «٤» :
و أغفر عوراء الكريم اصطناعه وأعرض عن ذات اللّئيم تكرّما
و قوله : قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ [١٣] ثم قال جلّ ذكره :(فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) [١٤] ولم يقل : لك وقد قال فى أوّل الكلام (قل) ولم يقل : قولوا وهو بمنزلة قوله :(عَلى «٥» خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ).
وقوله : مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها [١٥] ثم قال :(نُوَفِّ) لأن المعنى فيها بعد كان. وكان «٦» قد يبطل فى المعنى لأن القائل يقول : إن كنت تعطينى سألتك، فيكون كقولك : إن
(٢) خاتمة سورة النساء.
(٣) الآية ١٩ سورة البقرة.
(٤) هو حاتم الطائي. وهو من قصيدة يتمدح فيها بمكارم الأخلاق. وقوله :«اصطناعه» فالرواية المشهورة :
«ادخاره» والعوراء الكلمة القبيحة. وانظر الخزانة فى الشاهد التاسع والسبعين بعد المائة.
(٥) الآية ٨٣ سورة يونس. وهو يريد بالتمثيل أنه إذا أسند إلى الرئيس فعل ذهب الوهم إلى من معه. وانظر ص ٤٧٦ ج ١ من هذا الكتاب.
(٦) فى ا :«كأن كان» يريد أن (كان) في الآية فى حكم المزيدة، فكأن فعل الشرط (يريد) فهو مضارع كالجواب فقد توافقا من هذه الجهة.