معاني القرآن، ج ٣، ص : ٢٥٣
و قوله جل وعز : قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤).
يقال فى التفسير : إن جواب القسم فى قوله :«قُتِلَ»، كما كان جواب «وَ الشَّمْسِ وَضُحاها «١»» فى قوله! «قَدْ أَفْلَحَ «٢»» : هذا فى التفسير، ولم نجد العرب تدع القسم بغير لام يستقبل بها أو «لا» أو «إن» أو «ما» فإن يكن كذلك فكأنه مما ترك فيه الجواب : ثم استؤنف موضع الجواب بالخبر، كما قيل : يا أيها الإنسان فى كثير من الكلام.
وقوله جل وعز : أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤).
كان ملك خدّ لقوم أخاديد فى الأرض، ثم جمع فيها الحطب، وألهب فيها النيران، فأحرق بها قوما وقعد الذين حفروها حولها، فرفع اللّه النار إلى الكفرة الذين حفروها فأحرقتهم، ونجا منها المؤمنون،
فذلك قوله عز وجل :«فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ» (١٠) فى الآخرة «وَ لَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ» (١٠) فى الدنيا. ويقال : إنها أحرقت من فيها، ونجا الذين فوقها.
واحتج قائل هذا بقوله :«وَ هُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ» (٧)، والقول الأول أشبه بالصواب، وذلك لقوله :«فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ، وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ» ولقوله فى صفة الذين آمنوا «ذلِكَ [١٣٤/ ا] الْفَوْزُ الْكَبِيرُ» (١١) يقول : فازوا من عذاب الكفار، وعذاب الآخرة، فأكبر به فوزا.
وقوله عز وجل : قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤).
يقول : قتلتهم النار، ولو قرئت :«النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ»، بالرفع كان صوابا «٣»، وقرأ أبو عبد الرحمن السّلمى :«وَ كَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ «٤»» رفع الشركاء بإعادة الفعل : زينه «٥» لهم شركاؤهم. كذلك قوله :«قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ» قتلتهم النار ذات الوقود. ومن خفض :«النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ» وهى فى قراءة «٦» العوام - جعل النار هى الأخدود إذ كانت النار فيها كأنه قال : قتل أصحاب النار ذات الوقود.

(١، ٢) سورة الشمس : ١، ٩.
(٣) قرأ بالرفع : أشهب العقيل، وأبو السّمال العدوى، وابن السميفع أي : أحرقتهم النار ذات الوقود (تفسير القرطبي ١٩/ ٢٨٧).
(٤) سورة الأنعام الآية : ١٣٧.
(٥) فى ش : زين.
(٦) فى ش : وهى قراءة.


الصفحة التالية
Icon