١. ونأخذ مثالاً من القرآن قوله تعالى (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً) الفعل أقرض مصدره إقراضاً والفعل الثلاثي قرَض مصدره قرضاً. فجاء بالفعل الرباعي (يقرض) ولم يأت بمصدره إنما جاء بمصدر الفعل الثلاثي (قرضاً). ولو رجعنا إلى معنى القرض في اللغة فهو يعني المال والإقراض إذن القرض في الآية تحتمل المعنيين، فلو كان القصد الإقراض لكان إعرابها مفعول مطلق، ولو كان المقصود المال لكان إعرابها مفعول به. والمعنى المُراد من الآية الكريمة (من ذا الذي يقرض الله إقراضاً حسناً أي خالص النية لله محتسباً الأجر من الله، ومالاً حسناً أي طيباً حلالاً) فهناك إذن إقراض حسن ومال حسن ولما قال تعالى قرضاً حسناً جمع بين الأمرين معاً إقراضاً حسناً ومالاً حلالاً طيباً.
٢. مثال آخر في القرآن الكريم قوله تعالى في سورة النساء (يريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيدا) : أضلّ يُضلّ مصدره الإضلال والضلال مصدر فعل ضلّ. وقد جاء في آية أخرى أيضاً (فقد ضلّ ضلالاً بعيدا)، وقد جاء بالفعل من بناء ولم يأتي بمصدره وإنما جاء بمصدر الفعل الثلاثي (ضلّ) نسأل لماذا؟ لأن الشيطان يريد أن يبدأ مرحلة أن يضل الإنسان ولكن لا يريد أن يتابع وإنما يريد الإنسان أن يتم ويكمل المرحلة فيبتدع من وسائل الضلال ما لا يعلمه الشيطان. لو جاء في الآية إضلال لكان هذا كله من الشيطان وحده ولا يتابع فالشيطان يضع الإنسان على طريق الضلال ويذهب إلى مكان آخر أما إذا جاء بكلمة ضلال فهي تعني أن الشيطان فهو يبدأه ويكمله الإنسان فأراد سبحانه المعنيين أن الشيطان يبدأ بالضلال والإنسان يُكمل ما بدأه الشيطان ويبتدع من طرق الضلال ما يبتدع. إذن معنى الإضلال هو من الشيطان وحده أما الضلال فالشيطان يبدأ والإنسان يُكمل الطريق فالشيطان والإنسان مشتركين في عملية الضلال.


الصفحة التالية
Icon