ومثل ذلك استخدام فعل نصر مع الحرف من كما في قوله تعالى (ونصرناه من القوم) في الأصل يقال (نصر على) لأن فعل نصر يتعدّى بـ (على) و (نجّى من) وفعل نجّى يتعدّى بـ (من)، وقد استخدم القرآن هاتين الحالتين في مواطن كثيرة وفي آيات كثيرة (فانصرنا على القوم الكافرين) وقوله تعالى (فأنجاه الله من النار). لكن في هذه الآية قال تعالى (ونصرناه من القوم) عدّى الفعل نصر بما يتعدّى به فعل نجّى أي بحرف (من) وذلك للدلالة على أن المعنى المطلوب هو معنى النصر والنجاة في آن معاً لأن الله تعالى نصره ونجّاه وعاقب القوم وحاسبهم وعذّبهم فجاء فعل نصر بمعنى نجّى فكسب معنى النصر والنجاة أما في حالة (فأنجاه الله من النار) جاء الفعل نجّى متعد بـ (من) لأن المعنى هو النجاة فقط ولا يمكن أن تعاقب النار ولا يُنتصر منها. إذن لقد عدّى فعل نصر بالحرف الذي عدّى فيه فعل نجّى وهذا يسمى التضمين وهو من مواطن التوسع في المعنى في القرآن الكريم.
مثال آخر قوله تعالى (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً ﴿٦﴾ ) الأصل أن يقال يشرب منها. وهذه الآية فيها احتمالان: تحتمل أن يكون هناك تضمين بمعنى يرتوي بها (يشرب بمعنى يروى أو يشرب إلى أن يروى) وهذا هو الإحتمال الشائع عند المفسرين وقالوا هذا جزاء المقرّبين. لأنه لو أراد غير هذا المعنى لحدده كما قال في آية أخرى (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً ﴿٥﴾ ). في هذه الآية عدّى فعل يشرب بالباء ليحتمل معنى يرتوي وهناك إحتمال آخر أنهم نازلون بها كما يقال نزلنا في المكان وشربنا به فتصير إذن ظرفية. إذن تحتمل التعدية بالباء لفعل يشربون أن تكون بمعنى الشرب حتى الإرتواء ومعنى التمتع بلذّة النظر إلى العين والإستقرار عندها وهذه متعة أخرى.


الصفحة التالية
Icon