تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ١٠٢
و في مقابل هذا العنصر الخبيث نجد في الأمة أنموذجا طيبا آخر، هو صهيب بن سنان وأمثاله من المجاهدين المخلصين، أراده المشركون على الكفر، فأبى، وأخذوا ماله، وفرّ بدينه إلى المدينة، فأنزل اللّه في شأنه :
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٠٧]
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٢٠٧)
«١» [البقرة : ٢/ ٢٠٧] أي رؤف بعباده حيث كلفهم الجهاد في سبيل اللّه، فعرّضهم بذلك لثواب الشهداء.
قال سعيد بن المسيب : أقبل صهيب مهاجرا نحو رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فاتّبعه نفر من قريش من المشركين، فنزل عن راحلته، ونثر ما في كنانته «٢»، وأخذ قوسه، ثم قال :«يا معشر قريش، لقد علمتم أني من أرماكم رجلا، وايم اللّه لا تصلون إلي حتى أرمي بما في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شي ء، ثم افعلوا ما شئتم. قالوا : دلّنا على بيتك ومالك بمكّة ونخلّي عنك، وعاهدوه إن دلّهم أن يدعوه، ففعل، فلما قدم على النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«أبا يحيى، ربح البيع، ربح البيع» وأنزل اللّه : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ.
وقال المفسّرون : أخذ المشركون صهيبا فعذّبوه، فقال لهم صهيب : إني شيخ كبير، لا يضرّكم، أمنكم كنت أمّن من غيركم، فهل لكم أن تأخذوا مالي وتذروني وديني؟
ففعلوا ذلك، وكان قد شرط عليهم راحلة ونفقة، فخرج إلى المدينة، فتلقاه أبو بكر وعمر ورجال، فقال له أبو بكر : ربح بيعك أبا يحيى، فقال صهيب : وبيعك، فلا بخس، وما ذاك؟ فقال : أنزل اللّه فيك كذا، وقرأ عليه هذه الآية.
(٢) أي أخرج ما في جعبة السهام من سهام.