تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ١٩٦
كهيئة سائر الطيور، بإرادة اللّه، فالخلق الحقيقي من اللّه، وأبرئ الأكمه : الذي ولد أعمى، والأبرص الذي به البرص : وهو بياض يظهر في الجلد منفّر، وخصّ هذان المرضان، لاستحالة الشفاء منهما في العادة الغالبة، وأحيي الموتى، وكل ذلك بإرادة اللّه تعالى، وأخبركم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم من الحبوب وغيرها، مما لا يطلع عليه الناس عادة، إن في جميع ما ذكر دليلا قاطعا، وحجة ظاهرة على صدق رسالتي، إن كنتم مصدقين بالرسالات الإلهية.
وجئتكم مصدقا لما سبقني من التوراة، عاملا بها، مخففا بعض أحكامها، أحل من الطيبات بعض ما حرم عليكم في التوراة، كلحوم كل ذي ظفر كالأوز والإبل، وشحوم الأنعام، وجئتكم بحجة شاهدة على صدقي من اللّه، فخافوا عذابه، وأطيعوني فيما دعوتكم إليه، وتابعوني في ديني ودعوتي لتوحيد اللّه. إن اللّه ربي وربكم، لا إله غيره ولا رب سواه، وأنا عبده، فاعبدوه وحده لا شريك له، هذا هو الطريق القويم الواضح الذي لا اعوجاج فيه.
عيسى عليه السلام مع قومه
دعا عيسى عليه السلام قومه الإسرائيليين إلى عبادة اللّه وحده، فآمن به بعضهم، وأعرض آخرون، وتلقى منهم الأذى والتهديد بالقتل، فأنجاه اللّه، وجوزي المؤمنون بمرضاة اللّه، وأنذر اللّه الكافرين بعذاب شديد، ورد على من زعم ألوهية عيسى، فليس مثله إلا مثل آدم، وجد بكلمة اللّه التكوينية، ودعي الخصوم إلى المباهلة (الدعاء باللعنة على الكاذبين) وذلك في الآيات التالية :
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٥٢ الى ٦٣]
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤) إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٥٦)
وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨) إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١)
إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣)
«١»

(١) أنصار عيسى وخلصاؤه.


الصفحة التالية
Icon