تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٢١٥
نفسه، أو تحريم جاريته مارية القبطية أم إبراهيم على نفسه، فعاتبه اللّه تعالى في ذلك من تحريم المباح بقوله : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم : ٦٦/ ١] ولم يعاتب يعقوب.
وزعم اليهود أن تحريم الإبل وألبانها هو ملة إبراهيم وشريعة التوراة،
قال أبو روق والكلبي : حين قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«أنا على ملة إبراهيم» قالت اليهود : كيف وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها؟ فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«كان ذلك حلالا لإبراهيم، فنحن نحلّه» فقالت اليهود : كل شي ء أصبحنا اليوم نحرمه، فإنه كان محرما على نوح وإبراهيم حتى انتهى إلينا، فأنزل اللّه عز وجل تكذيبا لهم :
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٩٣ الى ٩٥]
كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٣) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥)
«١» [آل عمران : ٣/ ٩٣- ٩٥].
والمعنى : كل أنواع المطعومات كانت حلالا لبني إسرائيل إلا ما حرمه إسرائيل على نفسه خاصة، وهو لحوم الإبل وألبانها، من قبل نزول التوراة، وليس في شريعة التوراة شي ء من هذا التحريم، وقل لهم يا محمد : فأتوا بالتوراة كتابكم، فاتلوها إن كنتم صادقين في دعواكم، لا تخافون تكذيبها لكم. فكل من افترى على اللّه الكذب، وادعى ما لم ينزله اللّه في كتاب، فأولئك هم الظالمون بتحويل الحق وتغييره، والكذب على اللّه وادعاء تحريمه ما لم يحرمه.
وقل يا محمد أيضا : صدق اللّه فيما أنبأني به من أني على دين إبراهيم، وأني أولى الناس به، وأنه لم يحرم اللّه شيئا على إسرائيل قبل التوراة. وإذا كان الأمر كذلك، فاتبعوا ملة إبراهيم التي أدعوكم إليها، وهي الملة الوسط التي لا إفراط فيها ولا تفريط، وما كان إبراهيم من المشركين مع اللّه غيره.

(١) مائلا عن الباطل إلى الدين الحق.


الصفحة التالية
Icon