تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٣٠٩
و الذين من قبلنا : هم المؤمنون في كل شريعة، المتبعون ما أنزله اللّه منها، وتوبة اللّه على عبده : هي رجوعه به عن المعاصي إلى الطاعات، وتوفيقه له، ثم كرر اللّه إظهار إرادته التوبة على عباده لتأكيد الإخبار الأوّل، وقدمت إرادة اللّه توطئة مظهرة لفساد إرادة متبعي الشهوات، يريد اللّه أن يتوب على عباده- وهذا تفضل ورحمة منه- يتوب عليهم بما كلفهم به من الأعمال التي تطهرهم وتزكي نفوسهم، فيتوب اللّه عليهم بعد هذا، وأما المفسدون فلا يتوب اللّه عليهم لإصرارهم على الإفساد، فهؤلاء المفسدون مبتغو الشهوات الذين يجرون وراءها إنما يريدون بالإضافة لإفساد نفوسهم إفساد المؤمنين الصالحين، يريدون أن يميلوا معهم ميلا عظيما، لأن مرتكب الإثم يهمه جدا ويحرص أن يشاركه غيره في فساده، إرضاء لنفسه وتستيرا عليها، واطمئنانا لسلوكها.
يريد اللّه أيضا من بيان أحكام التشريع في قضايا الزواج وغيرها التخفيف والتيسير على عباده، وبيان كون هذه الشريعة سمحة سهلة لا مشقة ولا ضيق ولا حرج في أحكامها، لقوله تعالى : وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ.. [الحج : ٢٢/ ٧٨]. وبيان التخفيف والسماحة أمر ضروري في أمور الزواج، قال طاوس : ليس يكون الإنسان في شي ء أضعف منه في أمر النساء.
لذا أراد اللّه تعالى أن يبين سبب هذا التخفيف وهو أن الإنسان خلق ضعيفا عن مقاومة الشهوات، والتأثر بإغراءات النساء، وهذا مقصد تشريعي عام في الإسلام، فإن هذه الشريعة قامت على مبدأ التخفيف والتيسير والبعد عن المشقة والمضايقة، واللّه تعالى بكرمه خفف عن عباده، وجعل الدين يسرا سمحا سهلا، ولم يجعله ضيقا حرجا، وضعف الإنسان ناشئ عن ضعف نفسه، ولأن هواه يستميله في الأغلب، لذا راعى التشريع هذا الضعف ويسّر الصعب، وشرع السهل.