تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٣٥٢
الدولة، أو لأهل الحل والعقد والخبرة والرأي في الأمة، فهم أدرى الناس بها وبالكلام فيها.
ذلك أن الأخبار الشائعة إما أن تكون صحيحة أو كاذبة، وترويج الكذب حرام مثل اختلاق الكذب تماما،
روى مسلم في صحيحة أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سمع»
في الصحيح :«من حدّث بحديث، وهو يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين».
نهى الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم أيضا في حديث متفق عليه عن قيل وقال، أي الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس، من غير تثبت ولا تدبر ولا تبين أو تحقق.
في سنن أبي داود :«بئس مطية الرجل : زعموا».
إن التحدث بكل ما يسمع الإنسان، ونقل الأخبار من غير تثبت أمر ضار بالدولة والأمة، لذا أوجب القرآن ترك التحدث عن أحوال السلم والحرب إلى المسؤولين والمستشارين والخبراء، وعقبت الآية على ذلك بأنه لو لا فضل اللّه عليكم ورحمته بكم أيها المؤمنون إذ هداكم لطاعة اللّه والرسول، ووفقكم للرجوع إلى المصدر العلمي الصحيح، لولا ذلك لاتبعتم ووساوس الشيطان، وتورطتم في إشاعة ما يضر بالمصلحة العامة.
ثم حسم اللّه تعالى في الآية الثانية : فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أمر اللّه باتخاذ القرار في الجهاد، وأمر نبيه بأن يقاتل في سبيل اللّه وامتثال أوامره، ولو بنفسه أو وحده إذا أراد الظفر بالأعداء، فلا تكلف أيها الرسول إلا بفعل نفسك فقط، وتطالب بتحريض المؤمنين على القتال، دون تعنيفهم ولا توبيخهم، وليس المقصود من الآية أن يفرض القتال على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وحده دون الأمة، وإنما المراد أن يستشعر كل مجاهد أنه يجاهد ولو وحده كما
قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«و اللّه لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي».
وقال أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه وقت الردة :«و لو خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي».


الصفحة التالية
Icon