تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٣٧٤
الجراح، فذلك أمر مشترك بين كل فريقين متحاربين، لأنهم بشر مثلنا يتألمون كما نتألم، ويصبرون على الشدائد والقتال كما نصبر، فما لنا لا نصبر ونحن أولى وأحق بالصبر والثبات وترك الفرار؟! ولكن يظل الفرق واضحا بين المؤمنين وغير المؤمنين في تحديد الغاية من القتال، وهي أن الأعداء يقاتلون على الباطل، والباطل زائل، ونحن نقاتل على الحق، والحق دائم خالد، واللّه وعدنا بالنصر، ووعد الأعداء بالهزيمة والغلبة، ولا ثواب ولا أجر لقتالهم، وقتلاهم في النار، ولنا الثواب العظيم في الآخرة، وقتلانا في الجنة، وليس لهم ملجأ يستمدون منه العون والنصر إلا الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، أو تحقيق الشعارات الباطلة التي ليس لها مستند شرعي صحيح، ونحن بعبادتنا اللّه وحده لا شريك له نلجأ إليه في طلب النصر والرحمة لأن اللّه هو القوي القاهر، ولأن النصر من عند اللّه وحده.
ونحن في قتالنا ننتظر إحدى الحسنيين : إما النصر، وإما الشهادة، وكان اللّه عليما بأحوالنا ونياتنا، حكيما فيما يأمرنا به، وينهانا عنه.
قال اللّه تعالى : قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا «١» وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا «٢» إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ «٣» وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢) [التوبة : ٩/ ٥١- ٥٢].
وكل هذه المرغبات برهان بيّن، وحجة قاطعة على أنه يجب أن تتقوى نفوس المؤمنين، وتخوض ميادين المعارك الحربية والقتال بجرأة وشجاعة، وبإقدام لا يعرف التردد والإحجام.
(٢) أي تنتظرون.
(٣) أي النصر أو الشهادة والجنة. [.....]