تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٤٢٦
نادى اللّه المؤمنين بصفة الإيمان ليحثّهم على امتثال ما يكلفهم به، قائلا : يا من اتّصفتم بالإيمان وتركتم دعاوى الشيطان أوفوا بالعقود، سواء عقود الشّرع من حلال وحرام وفرائض، وعقود الناس بعضهم مع بعض من عقود البيع والمعاملات وعقود الزواج وغير ذلك،
لقول النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم فيما رواه الحاكم عن أنس وعائشة :«المسلمون عند شروطهم»
فيجب الوفاء بالعهود والعقود على حسب الشروط المتفق عليها ما لم تصادم أوامر الشرع، وتشمل العقود كل الارتباطات بقول موافق للحق والشرع.
ومن هذه العهود المأخوذة علينا من اللّه، وهي نعم من اللّه : إحلال جميع بهائم الأنعام من إبل وبقر وغنم إلا ما يتلى عليكم من المحرمات العشر الآتية، وغير سباع البهائم وكل ما له ناب يعتدي به على غيره، وكل ما له مخلب من الطيور، حال كونكم غير محلّي الصّيد البري في أثناء الإحرام بحج أو عمرة، فيحرم الصيد في الإحرام، ويحرم في الحرمين : المكّي والمدني، ولو في غير حالة الإحرام، إن اللّه يحكم ما يريد من الأحكام، ويعلم أنه حكمة ومصلحة.
وقد نزلت آية لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ حينما عزم نفر من المهاجرين والأنصار على الاعتداء على الحطم بن هند البكري الذي قدم المدينة، فبايع النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم وأسلم، ثم ارتدّ عن الإسلام لما قدم اليمامة.
ونزلت آية وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ.. عام فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة حينما كان النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم بالحديبية في السنة السادسة مع أصحابه، فصدّهم المشركون عن البيت الحرام، فمرّ بهم أناس من المشركين من أهل المشرق، يريدون العمرة، فقال الصحابة : نصدّ هؤلاء، كما صدّوا أصحابنا.. فقيل للمؤمنين عام الفتح وهو سنة ثمان : لا يحملنّكم البغض من أجل أن صدّوكم على أن تعتدوا عليهم.