تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٥٢٥
الحياة في الآخرة بعد الموت في الدنيا لأنه الذي خلقنا في مبدأ الخليقة من طين، فأوجد أبانا آدم عليه السّلام، ثم تكاثرت ذرّيته في المشارق والمغارب، كما خلق سائر أحياء الأرض، وجعل الحياة مقيدة بين بداية معينة من الميلاد، ونهاية محددة بالوفاة. وصار قضاء اللّه أجلين : الأول : ما بين أن يخلق الإنسان إلى أن يموت، والثاني : ما بين الموت والبعث، وهو حياة البرزخ، حياة القبر. وبالرغم من قيام هذه الدلائل على وحدانية اللّه والبعث، يشكّ الكفار في إعادة الخلق أو البعث يوم القيامة مرة أخرى. وهيّأ اللّه تعالى للإنسان في حياته ظروف المعيشة مع ضعفه وعجزه، ومن قدر على ابتداء الخلق من الطين، فهو على الإعادة أقدر وأهون عليه.
وهناك دليل آخر على وجود اللّه ووحدانيته : أن اللّه لم تنته مهمته بخلق السماوات والأرض، وإنما هو دائم الوجود والهيمنة والسيطرة، والقائم في السماوات والأرض المعبود فيها، المعروف بالألوهية، يعبده ويوحّده كل من في السماوات ومن في الأرض، ويسمّونه اللّه، ويدعونه رغبا ورهبا إلا من كفر من الجن والإنس : وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ يعلم السّر والجهر، ويستوي في علمه سبحانه الخفاء والعلانية، ويعلم جميع أعمالكم خيرها وشرّها، ويجازي الناس جميعا عليها، فهل بعد هذه الأدلة والبراهين أي شك في توحيد اللّه وقدرته على البعث والحياة الثانية بعد الأولى، بل والخلود في عالم الآخرة.
أسباب كفر الناس بالله تعالى
العقل والواقع يقضيان بأنه لا يوجد سبب مقبول ولا برهان واضح يسوّغ جحود الناس وكفرهم بوجود اللّه ووحدانيته، وإنما الكفر والجحود لون من ألوان المكابرة