تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٥٣٤
و معنى الآيات : الإخبار عن أن الأشياء كلّها بيد اللّه، إن ضرّ فلا كاشف لضرّه غيره، وإن أصاب بخير فكذلك أيضا لا رادّ ولا مانع منه. والضّرّ- بضم الضّاد :
سوء الحال في الجسم وغيره، والضّرّ- بفتح الضّاد : ضدّ النفع، وناب الضّر في هذه الآية مناب الشّر، وإن كان الشّر أعم منه، فقابل الخير.
يخبر اللّه بأنه : إن يصبك أيها الإنسان ضرر أو شدة من ألم أو فقر أو مرض أو أي مصيبة تحصل، أو حزن أو ذلّ ونحوه، فلا صارف له عنك ولا مزيل له إلا اللّه تعالى لأنه القادر على كل شي ء، أي على كل شي ء جائز أن يوصف اللّه تعالى بالقدرة عليه. وكذلك إن يحصل لك أيها الإنسان خير من صحة أو غنى أو عزّ ونحوه، فهو أيضا من اللّه سبحانه، لكمال قدرته على كل شي ء، ولأنه القاهر الغالب صاحب العزّة والمجد والسلطان، والقاهر : أي المستولي المقتدر، ولأنه سبحانه الحكيم في جميع أفعاله، يضع كل شي ء في موضعه المناسب له، وهو عزّ وجلّ الخبير بمواضع الأشياء، فلا يعطي إلا من يستحق، ولا يمنع إلا من يستحق، كما قال تعالى في آية أخرى : ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢) [فاطر : ٣٥/ ٢].
وفي مقابلته تعالى الخير بالضّر إشارة إلى أن ما يصيب الإنسان في الدنيا ليس شرّا، بل قد يكون فيه نفع. وإذا كان اللّه تام القدرة والسلطان والتّصرف، فلا سبيل للعبد إلا اللجوء إليه ودعوته رغبا ورهبا. والفوقية في قوله : وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ فوقية استعلاء بالقهر والغلبة لا فوقية مكان.
ثم أيّد اللّه نبيّه محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم بشهادة هي أعظم الشهادات وأجلّها، وأصحّها وأصدقها، وهي شهادة اللّه بالحق بين نبيّه محمد وبين المشركين، شهادة تدلّ على صدق النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم وتكشف حال أعدائه. وتتضمن هذه الآية أن اللّه تعالى يقال عليه :