تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٥٤٦
هذا لون آخر من مواساة اللّه لنبيّه محمد صلّى اللّه عليه وسلّم عما ألّم به من حزن بسبب إعراض قومه عن رسالته، فإذا كان الناس صنفين : صنف يختار الهداية، وصنف يختار الضّلالة، أبان اللّه تعالى هنا في الآية الأولى : إِنَّما يَسْتَجِيبُ.. أن الصنف الأول هم الذين يسمعون الدلائل والبيّنات سماع تدبّر وفهم، وأن الصنف الثاني لا يفقهون ولا يسمعون، وإنما هم كالأموات. فلا تحفل أيها النّبي بمن أعرض عنك وعن دعوتك لتوحيد ربّك والإقرار بنبوّتك، فإنما يستجيب لداعي الإيمان الذين يسمعون الآيات سماع تعقّل وتفهم ويتلقّون البراهين بالقبول. أما الكفار غير المؤمنين، فهم كالموتى في الصّمم عن وعي كلمات اللّه، والعمى عن نور اللّه، لا يفقهون قولا، ولا يفكرون تفكيرا صحيحا فيما أنزل اللّه، أي إنهم موتى القلوب، يشبهون موتى الأجساد.
هذا مع العلم بأن اللّه قادر على كل شي ء، فكما أنه قادر على بعث الموتى من القبور يوم القيامة، والرجوع إليه للجزاء، هو سبحانه قادر على إحياء قلوب الجاحدين بالإيمان، وأنت أيها النّبي لا تقدر على هدايتهم. لكنهم- أي هؤلاء المشركين- قوم معاندون يرفضون دعوة الحقّ القرآني كبرا وحسدا وعنادا. ومن مظاهر عنادهم : مطالبتهم بإنزال آية مادّية محسوسة من السماء، خارقة للعادة على النّبي محمد صلّى اللّه عليه وسلّم كعصا موسى، ومائدة عيسى، وملك يشهد له، وتفجير الينابيع، وإنشاء البساتين أو الإتيان بكنز، أو غير ذلك من الشّطط، ولكن أكثر هؤلاء الكفار لا يعلمون أن اللّه قادر على أن ينزل تلك الآية، ولكن حكمته اقتضت الامتناع من إنزالها لأنها لو نزلت ولم يؤمنوا لعوجلوا بالعذاب، فإنزال آية ماديّة مما اقترحوا يكون سببا في هلاكهم إن لم يؤمنوا.
ثم نبّه اللّه سبحانه على قدرته وعلى آيات اللّه الموجودة في أنواع مخلوقاته، لمن شاء