تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٥٤٧
أن يتأمل، ويريد الاستدلال على عظمة اللّه ومقدرته في كل شي ء، فاللّه قادر بسهولة على أن ينزل آية، لكن عدم إنزالها لحكمة لا تعلمون وجهها، وإنما يحيل اللّه على الآيات الموجودة لمن فكر واعتبر، كالدّواب والطّير وهي أمم، أي جماعات مماثلة للناس في الخلق والرزق والحياة والموت والحشر، واللّه تعالى يدبرها ويرعى شأنها ويحسن إليها، فإذا كان اللّه يفعل هذا بالبهائم، فأنتم أحرى إذ أنتم مكلفون عقلاء.
ولم يترك اللّه شيئا أبدا إلا ذكره في الكتاب : وهو اللوح المحفوظ : وهو شي ء مخلوق في عالم الغيب دوّن فيه كل ما كان وما سيكون من مقادير الخلق إلى يوم القيامة، فهذا دليل آخر على إحاطة علم اللّه بكل شي ء، وجد أو سيوجد لحكمة يعلمها، ثم يبعث اللّه جميع تلك الأمم من الناس والحيوان ويجمعها إليه يوم القيامة، ويجازي كلّا منها، أفليس في هذا الحشر ما يدلّ على قدرته تعالى ووحدانيته؟! وإذا كان ما من دابّة ولا طائر ولا شي ء إلا وفيه آية دالّة على قدرة اللّه ووحدانيته، فهلا تؤمنوا! ولكن الكافرين الذين كذبوا بآيات اللّه صمّ وبكم لا يتلقون ذلك ولا يقبلونه، ولا يسمعون دعوة الحقّ والهدى سماع قبول، ولا ينطقون بما عرفوا من الحق، وهم يتخبّطون في ظلمات الشّرك والوثنية وعادات الجاهلية القبيحة والجهل والأميّة، فكيف يهتدون إلى الطريق الصحيح؟ واللّه هو المتصرّف في شؤون خلقه، ويعلم حال كل مخلوق، فمن يشأ اللّه إضلاله أضلّه ولم يلطف به لأنه ليس أهلا للطف، ومن يشأ هدايته وفّقه وهداه إلى الصراط المستقيم : وهو الإسلام، لأنه من أهل اللطف، فيكون معيار الهداية والإضلال بما علم اللّه أزلا من استعدادات المخلوقات للخير والحق أو الشّر والباطل. ذلك حكم اللّه ومشيئته في خلقه.


الصفحة التالية
Icon