تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٥٥٩
إني لا أتّبع أهواءكم أو شهواتكم في سلوك طريقتكم القائمة على اتّباع الهوى دون اتّباع الدليل، وليس لكم إلا تقليد الآباء ووراثة الأسلاف من غير بصيرة كما تصرّحون : إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزّخرف : ٤٣/ ٢٣]. إني إن اتبعت أهواءكم فأنا ضالّ، وما أنا من الحق والهدى على شي ء، وفي هذا تبيان بأنهم ليسوا من الهداية في شي ء، وليسوا في اعتقادهم على بصيرة.
فإن عبادة غير اللّه ضلال وشرك، يترفّع عنها العقلاء، وعبادة اللّه تدلّ عليها الحجة البالغة والبرهان الواضح، ويرشد إليها الفكر الصحيح.
قل لهم أيها النّبي : إني على أمر بيّن، وإني فيما أخالفكم فيه على بصيرة من شرع اللّه الذي أوحاه إلي، وعلى حجة واضحة، وهو هذا القرآن المعجزة الخالدة على صدق اتجاهي ومنهجي، فهو كلام اللّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أما أنتم أيها المشركون فقد كذّبتم بالقرآن وكفرتم بالرحمن، ورفضتم الحقّ الذي جاءني من عند اللّه، واتّبعتم الشيطان، والهوى والضلال، وقلّدتم الآباء من غير روية ولا تفكير.
وليس الأمر بيدي كما تتوهمون، وليس عندي الذي تستعجلون به وهو العذاب، فلا أقدر على إنزاله بكم، وما الحكم الفاصل والقضاء المبرم إلا لله، إليه يرجع الأمر كله، إن شاء عجّل لكم ما سألتم من العذاب، وإن شاء أجّلكم إلى أجل معين بمقتضى علمه ومشيئته وحكمته العظيمة : وَكُلُّ شَيْ ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ [الرّعد : ١٣/ ٨].
واللّه يقضي بالحق، ويقصّ على رسوله القصص الحق في وعده ووعيده وجميع أخباره، وهو خير الفاصلين، أي خير الحاكمين الذين يفصلون في القضايا بين عباده، وينفذ أمره متى شاء إصدار الحكم العادل.
قل لهم أيها النّبي : لو كان عندي ما تستعجلون به من نزول العذاب، ولو كان