تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦٢١
الحياة، ما دام يتناول ما يسدّ به رمقه، أو يدفع ضرر هلاكه. وهذه المحرّمات تحريمها دائم مستمرّ لأن التحريم لأسباب ذاتية.
وأما الأشياء التي حرّمها اللّه على اليهود فهو تحريم مؤقت، عقوبة لهم، لا لذات الأشياء، كما قال تعالى : فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (١٦٠) [النّساء : ٤/ ١٦٠].
وانصبّ التّحريم عند اليهود على شيئين : الأول- كل ما له ظفر : وهو ما ليس منفرج الأصابع كالإبل والنّعام والأوز والبط. والثاني- الشحوم الزائدة التي تنتزع بسهولة، على البقر والغنم دون غيرهما، وهي ما على الكرش والكلى فقط، أما شحوم الظّهر (السّنام) والذّيل (الألية) فليست محرّمة، لقوله تعالى : إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ. والحوايا : الأمعاء. وهذا التحريم بسبب الظلم والبغي- وخبر اللّه صادق يقينا- وظلمهم : هو قتل الأنبياء بغير حق، وصدّهم عن سبيل اللّه، وأخذهم الرّبا، وأكل أموال الناس بالباطل. وهذا تكذيب لليهود في قولهم : إن اللّه لم يحرّم علينا شيئا، وإنما حرّمنا على أنفسنا ما حرّمه إسرائيل على نفسه، فإن كذبوك يا محمد بما أخبرتك به، فقل لهم على سبيل التّعجب من حالهم والتعظيم لافترائهم الكذب : إن اللّه ذو رحمة واسعة، إذ لا يعاجلكم بالعقوبة مع شدة جرمكم، ولا تغتروا أيضا بسعة رحمته، فإنّ لله عذابا لا يردّ عن المجرمين إما في الدنيا وإما في الآخرة. وهذا جمع بين أسلوب الترغيب والترهيب في آن واحد، ترغيب في امتثال أمر اللّه، وترهيب من مخالفة اللّه والرّسول.


الصفحة التالية
Icon