تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦٢٢
الاحتجاج بالقدر الإلهي والمشيئة
زعم المشركون أن شركهم بالله وتحريمهم الأشياء المباحة إنما هو بقدر اللّه، فقالوا :«لولا المشيئة لم نكفر» و«لو شاء اللّه منا ألا نكفر لمنعنا عن هذا الكفر، وحيث لم يمنعنا عنه، ثبت أنه مريد لذلك، فإذا أراد اللّه ذلك منا، امتنع منا تركه، فكنا معذورين فيه» فردّ اللّه هذا الزعم الباطل، وذم اللّه تعالى ظن المشركين أن ما شاء اللّه لا يقع عليه عقاب، فقال اللّه تعالى حاكيا قولهم :
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٤٨ الى ١٥٠]
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْ ءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (١٤٨) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩) قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١٥٠)
«١» «٢» «٣» [الأنعام : ٦/ ١٤٨- ١٥٠].
هذه شبهة تمسّك بها المشركون في شركهم وتحريم ما حرّموا، فإن اللّه مطّلع على ما هم فيه من الشّرك وتدخّلهم في التحريم، إنهم يقولون : إن شركهم وشرك آبائهم، وتحريم ما أحلّ اللّه من الحرث (الزرع) والأنعام (المواشي) هو قائم بمشيئة اللّه وإرادته، ولولا مشيئته لم يكن شي ء من ذلك، كمذهب الجبرية تماما.
فردّ اللّه عليهم شبهتهم بقوله : كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وفي الكلام حذف يدلّ عليه السياق، أي سيقول المشركون كذا وكذا، وليس في ذلك حجة لهم، ولا شي ء يقتضي تكذيبك، ولكن كذلك كذب الذين من قبلهم بنحو هذه الشبهة، من
(٢) أحضروا أو هاتوا.
(٣) يسوون به غيره في العبادة.