تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦٢٨
من المعلوم أن موسى عليه السّلام متقدّم في الزمان على محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، فكتابه متقدّم وفيه تلاوة ما حرّم اللّه تعالى، فالتحريم والتحليل وبيان أحكام التشريع قديم في البشرية، والتوراة أشبه بالقرآن من الإنجيل والزّبور لاشتمالها كثيرا على الأحكام أو التكاليف الشرعية، لذا أمر اللّه نبيّه بأن يخبر المشركين بما أنزل اللّه على موسى عليه السّلام وإيتائه التوراة تماما للكرامة والنعمة على الذي أحسن في اتّباعه والاهتداء به وهو موسى ومن تبعه، كما قال تعالى : وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا [الأنبياء : ٢١/ ٧٣]. وفي التوراة تفصيل لكل شي ء محتاج إليه من أحكام الشريعة : عبادتها ومعاملتها، وهدى لمن اهتدى به، ورحمة لمن تمسّك به، فينجيه من الضلالة، ليجعل قومه يؤمنون بلقاء ربّهم، أي لقاء ما وعدهم اللّه به من ثواب وعقاب في دار الكرامة والسّلام.
ثم وصف اللّه تعالى القرآن الكريم بقوله : وَهذا كِتابٌ.. أي وهذا القرآن كتاب عظيم الشأن، كثير الخير والنّفع في الدين والدنيا، ثابت لا ينسخ، جامع لأسباب الهداية الدائمة والنجاة والفلاح، فاتّبعوا أيها الناس ما جاء فيه، واتّقوا النار والجحود بما نهاكم عنه ومنعكم منه، لتظفروا برحمة اللّه الواسعة في الدنيا والآخرة.
لقد أنزلنا إليك القرآن أيها النّبي محمد، فيه إرشاد للتوحيد وتزكية النفوس وتطهيرها من لوثات الشّرك والفسوق، لئلا تقولوا معشر العرب يوم الحساب :
لو أنزل علينا مثل ما أنزل على اليهود والنصارى من قبلنا بغير لساننا، لكنّا أهدى منهم فيما أوتوه، لأننا أكثر وعيا وتفهّما وأعمق بصيرة وأشدّ عزيمة، وإبطالا لتلك التعللات ومحاولات التهرب من مسئولية العمل بشرع اللّه، فقد جاءكم على لسان رسولنا النّبي العربي محمد صلّى اللّه عليه وسلّم قرآن عظيم، فيه بيان للحلال والحرام، وهدى لما في القلوب، ورحمة من اللّه لعباده الذين يتبعونه، ويقتفون ما فيه، ففيه العقيدة والآداب والأحكام.