تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦٤٨
وبّخ اللّه تعالى المشركين على ارتكابهم الفاحشة : وهي الفعلة المتناهية في القبح، والمراد بها طوافهم حول البيت الحرام عرايا رجالا ونساء، وملازمتهم لعقيدة الشرك والوثنية. وإذا عوتبوا في ذلك قالوا : نحن في هذا مقلدون للآباء، متبعون للأسلاف، وتوهموا أن ما يفعلونه طاعات، وأن اللّه أمرهم بها، مع أن تلك الأمور فواحش.
وهذا أبطل الباطلات، وقل لهم أيها النبي : إن اللّه لا يأمر بالفحشاء أصلا، وإنما الذي يأمركم بذلك هو الشيطان.
وأما تقليد الآباء والأجداد فهو عمل ظاهر الفساد لأن لكل إنسان عقلا ووعيا يميز بين الصحيح والخطأ، والهدى والضلال، وليس الآباء حجة في التشريع، ولا طريقهم أو منهجهم بمنأى عن الخطأ، والتقليد في الأوضاع الفاسدة إلغاء للذات الإنسانية، وإهدار للفكر والعقل البشري الذي منحه اللّه تعالى للإنسان ليميز به بين الخطأ والصواب.
وإذا أخطأ العقل، وجد في الهداية الإلهية أو الوحي الرباني عاصما عن الخطأ، ومرشدا إلى الصواب، وموجها إلى الحق والحقيقة.
فإن اللّه لا يأمر إلا بالعدل والاستقامة والتوسط في الأمور، ومن أوامره : إيفاء العبادة حقها، والتوجه بكامل القلب وصحة القصد إلى اللّه وحده دون غيره عند كل صلاة، وأداء العبادة في وقتها، والإخلاص لله في العبادة من غير مراءاة ولا سمعة، ولا إشراك أحد مع اللّه، فإنه سبحانه وتعالى لا يتقبل عملا من الأعمال إلا إذا توافر فيه ركنان :
الركن الأول : أن يكون صوابا موافقا للشريعة، والركن الثاني : أن يكون خالصا من الشرك بإدخال أحد من المخلوقات البشرية أو السماوية أو الأصنام شريكا في قصد العبادة والتعظيم. إن إخلاص الدين لله تعالى هو جوهر العبادة، لأن مصائر


الصفحة التالية
Icon