تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦٧٣
إن مدار القرآن الكريم وغايته الجوهرية في العقيدة إثبات أسس أربعة : وهي التوحيد لله، والنّبوة، والمعاد، والقضاء والقدر، وإثبات المعاد متوقّف على إثبات التوحيد والقدرة والعلم، وإثبات هذه الأصول يتمثّل في خلق الإنسان وخلق السماوات والأرض.
وهذه الآية خطاب عام لجميع البشر، يقتضي التوحيد وإقامة الحجة عليه بدلائله، فالله سبحانه هو الرّب، أي المالك والسيد المطلق ومتولّي جميع شؤون المخلوقات، فيستحقّ العبودية له وحده، والعبادة وحده، والاستعانة به وحده لأنه هو الذي خلق الكون والعالم كله، خلق السماوات السبع والأراضي السبع وما بين ذلك من الموجودات والكائنات الحيّة، خلقها في ستة أيام، واليوم في رأي مجاهد وأحمد بن حنبل كألف سنة، كما قال اللّه تعالى : وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحجّ : ٢٢/ ٤٧]. وأما يوم القيامة فقال اللّه في وصفه : فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج : ٧٠/ ٤].
ولو أراد اللّه خلق السماوات والأرض في لحظة لفعل، ولكنه سبحانه له حكمة بالغة في ذلك، انفرد بعلمها عزّ وجلّ كسائر أحوال الشرائع، وكأن الحكمة في تصوّرنا تعليم العباد التّأني والتّثبّت في الأمور، والاعتماد في كل شي ء على الإتقان والإحكام، ولإعلام الناس أن خلق السماوات والأرض أمر عظيم ليس بالشي ء الهيّن، كما قال سبحانه : لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [غافر :
٤٠/ ٥٧].
وكان خلق الأرض في يومين، وخلق الجبال الرواسي وأنواع النبات والحيوان في يومين آخرين، وخلق السماوات وما فيها من عوالم وأفلاك، وكواكب وأبراج في يومين.