تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦٧٤
و العرش أحد المخلوقات بل هو أعظم المخلوقات، لذا خصّ بالذّكر، وهو مخلوق معين، وجسم ما، وقد استوى اللّه على عرشه بعد خلق السماوات والأرض، يدبّر الأمر، ويصرّف النظام، ويمارس السلطان، ويستولي على زمام الأمور استيلاء شاملا، ونحن نؤمن كإيمان الصحابة باستواء اللّه على العرش بكيفية تليق به، من غير تشبيه ولا تجسيد ولا تكيف، أي من غير تحديد بجهة، ولا تقدير بوصف، وتترك معرفة الحقيقة إلى اللّه تعالى، قال الإمام مالك رحمه اللّه : الاستواء معلوم (أي في اللغة) والكيف (أي كيفية الاستواء) مجهول، والسؤال عنه بدعة.
ثم أبان اللّه تعالى بعض مظاهر تدبيره الكون، وهو أنه سبحانه جعل الليل يلحق النهار بسرعة دون تأخّر ولا فاصل، يغشاه بظلمته، ويستره بلباسه، حتى يذهب ضوء النهار، لإتمام قوام الحياة، ففي تعاقب الليل والنهار منافع كثيرة، وتحقيق مصالح عديدة للناس، فالليل للسكون والهدوء والنوم والراحة، والنهار للمعاش والعمل والكدح ولقاء الناس وتبادل المنافع وتأمين المصالح.
ومن مظاهر التدبير الإلهي للكون : خلق اللّه الشمس والقمر وسائر النجوم والكواكب، وكونها جميعا تحت قهره وتسخيره ومشيئته، فهي خاضعة لأمره وتصرّفه، وكل كوكب يدور في فلكه إلى أجل مسمى وموعد محدد. واكتمل لله المادّة والمعنى في قوله سبحانه : أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ أي فهو الموجد الخالق لكل شي ء، وهو المتصرّف والمدبّر لكل شي ء تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ أي تعاظم وتنزه، وانفرد بالرّبوبية والألوهية، فوجب على العباد شكره على نعمه وخيراته، وعبادته دون غيره.
والعالمين جمع عالم يشمل الإنس والجنّ.
أسند الطبري إلى النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«من زعم أن اللّه تبارك وتعالى جعل لأحد من العباد شيئا من الأمر، فقد كفر بما أنزل اللّه لقوله تبارك وتعالى : أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ»
قال النقاش : ذكر اللّه الإنسان في


الصفحة التالية
Icon