تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦٩٦
و نحوهما، يجعل السّراء والنعمة، وهذا بحسب ما عند الناس، وإلا فقد يكون العكس، ينعم اللّه على بعض العباد بالبلوى العظيمة لتخليصهم من الدّاء، ويبتلي اللّه بعض القوم بالنّعم ليختبرهم فيما يفعلون. والسّيئة : كل ما يسوء صاحبه، والحسنة : ما يستحسنه الطبع والعقل.
إن اللّه تعالى يبدّل مكان السيئة الحسنة لحكمة هي التّذكر والاتّعاظ، وتكون الحسنة عامّة شاملة، فتستمر الحسنة حتى عفوا، أي حتى كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم، يقال : عفا الشي ء : إذا كثر، لأن الرّخاء يكون عادة سببا في كثرة النّسل.
والعبرة تكون حين يقول العصاة بعد الرّخاء : قد أصابنا من البأساء والضّراء وما بعده من الرّخاء، مثلما أصاب آباءنا في قديم الزمان، فهؤلاء آباؤنا قد مسّتهم الضّراء والسّراء، وحلّ بهم الضيق والفرج، والعسر واليسر، وما نحن إلا مثلهم، أي إن هذا التّقلب له سابقة في الزمن، فلا شي ء فيه، وهذا قول من لم يتّعظ ولم يتأمل في أحداث الزمان. والواقع أن إرسال النعمة بعد النقمة استدراج واختبار، وكان مصير هؤلاء الذين لم يعتبروا بالأحداث هو إنزال العقاب الشديد بهم، وكان عاقبة أمرهم أن اللّه عاقبهم فجأة، من غير شعور منهم بما ينزل بهم من العقاب، ليكون أكثر حسرة، كما قال اللّه تعالى : فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْ ءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤) [الأنعام : ٦/ ٤٤] أي آيسون من الرّحمة.
وأما المؤمن فليس هذا حاله، إنه كما
جاء في حديث الصحيحين :«عجبا لأمر المؤمن، لا يقضي اللّه له قضاء إلا كان خيرا له، إن أصابته ضرّاء صبر، فكان خيرا له، وإن أصابته سرّاء شكر، فكان خيرا له»
أي أن المؤمن يتنبّه لما ابتلاه به من الضّراء (الضّرر) والسّراء (السرور).