تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٧٠
و تأييد الباطل على الحق، والانحراف عن جادة الاستقامة والرشاد. وبما أن هذا الصراع بين الخير والشّر يدوم طويلا، ويريد اللّه لمصلحة الناس إعلاء كلمة الحق والخير، أمر اللّه المؤمنين في مسيرة الحياة أن يستعينوا بأمور ثلاثة : هي الصبر، والصلاة، والشهادة في سبيل اللّه.
أما الصبر فهو نصف الإيمان، ودرع أهل العزيمة والإرادة القوية، وهو طريق النصر والغلبة والفلاح، واللّه أكّد في آيات كثيرة أنه مع الصابرين، يؤيدهم بولايته ورعايته، وينصرهم بتوفيقه وتثبيته، ويجيب دعاءهم، ويعزّز موقفهم ويحميهم من الأذى.
وأما الصّلاة والاستعانة بها فلأنها أمّ العبادات، وصلة العبد بالله تعالى، وطريق الفرج بعد الكرب، واليسر بعد العسر، وهي تعصم المؤمنين من الانحراف، وتهذّب النفوس، وتنهى أصحابها الخاشعين فيها عن الفحشاء والمنكر.
وأما القتال في سبيل اللّه فهو طريق الحفاظ على الحقوق، والظفر بالجنة والشهادة، وأساس تحقيق المجد والعزة والكرامة واستقلال الأوطان، وصدّ عدوان المعتدين، واسترداد الحقوق المغتصبة كاغتصاب الصهاينة بلاد فلسطين العزيزة. وقد صحح القرآن الكريم مفاهيم الناس عن الشهداء، فهم خالدون على مدى التاريخ، ولهم الدرجات العليا عند اللّه تعالى. لما قتل بضعة عشر رجلا من قتلى بدر، ثمانية من الأنصار، وستة من المهاجرين، كان الناس يقولون للرجل يقتل في سبيل اللّه :
مات فلان، وذهب عنه نعيم الدنيا ولذّتها، فأنزل اللّه في قرآنه بيانا قاطعا بأن الشهداء أحياء في قلوب الناس والتاريخ، وأحياء في قبورهم، وأرواحهم الطاهرة في حواصل طير خضر تعلق من ثمر الجنة. وجمع اللّه في آيات خمس بين الصبر والصلاة والاستشهاد في سبيل اللّه، فقال سبحانه :
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٥٣ الى ١٥٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (١٥٤) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)


الصفحة التالية
Icon