تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٧١٨
و النعمة الثانية- الإنقاذ من الغرق والاضطهاد : نجى اللّه تعالى بني إسرائيل من فرعون وملئه ومن الغرق في البحر الأحمر، وجاوز بهم البحر آمنين، وأغرق فرعون وقومه، ولكنهم قابلوا النعمة بالجحود والعصيان والكفران، ولم يقوموا بما يجب عليهم من الشكر والطاعة، كشأنهم في كل عصر وزمان، وطلبوا من موسى عليه السلام اتخاذ إله من الأصنام حينما رأوا قوما من الكنعانيين يعبدون أصناما لهم على صور البقر، وقالوا لموسى : اجعل لنا صنما إلها نفرده بالعبادة ونكفر بربك، كما يؤله هؤلاء القوم أصنامهم.
فرد عليهم موسى ردا شديدا مفعما بالتعجب بقوله : إنكم قوم جهلة، تجهلون حقيقة توحيد اللّه الخالص له، وتسألون أمرا حراما فيه الإشراك في العبادة، واللّه تعالى ليس بحاجة إلى شفيع أو شريك أو وسيط، بل هو أقرب إلى عبده من حبل الوريد، إن هؤلاء العاكفين على أصنامهم عبدة الأوثان محكوم عليهم بالدمار والهلاك والزوال، وباطل عملهم في الدنيا والآخرة وكيف تطلبون إلها غير اللّه، وهو فضّلكم على عالمي زمانكم؟!.
والنعمة الثالثة- الإنجاء من آل فرعون : نجى اللّه أيضا بني إسرائيل من ظلم آل فرعون، وأنقذهم من ذل العبودية، وخلصهم من إسامتهم سوء العذاب وتكليفهم مشاق الأعمال، ومن تقتيل أبنائهم الذكور، وترك نسائهم أحياء، حتى ينقرض نسلهم. وفي ذلكم الإنجاء من كيد فرعون وقومه، والإنعام عليهم بهذه النعم بلاء واختبار عظيم من اللّه لهم.
والمراد من ذلك كله حملهم على شكر اللّه تعالى، وتخصيصه بالعبادة والتقديس وإفهامهم أن في إنجائهم امتحانا لهم واختبارا لسلوكهم، هل يكون منهم وفاء بحسب النعمة، أو جحود وتنكر للمعروف؟ والواقع أنهم قابلوا النعمة بالكفران، والطاعة بالعصيان، فاستحقوا غضب الديان.


الصفحة التالية
Icon