تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٧٤٠
النعمة الأولى : أن اللّه تعالى أوحى إلى موسى أن يضرب بعصاه الحجر أو الصخر، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا بمقدار عدد أسباطهم، كل سبط له عين خاصة به، ومشرب مستقل بفرقته، قد علم كل سبط مشربهم منه. ومن المعلوم أن السبط في ولد إسحاق كالقبيلة في ولد إسماعيل. وانبجاس الماء : خروجه بقلة وهدوء، أما انفجار الماء فهو خروجه بكثرة وتدفق، الانبجاس أخف من الانفجار.
النعمة الثانية : تظليل الغمام، فكانوا إذا اشتد عليهم الحر في الصحراء، يسخر اللّه تعالى لهم الغمام، أي السحاب، يظلهم بظله الظليل، رحمة من اللّه تعالى.
والنعمة الثالثة : إنزال المن والسلوى، فكان الطعام الشهي ينزل عليهم بسهولة، دون عناء ولا مشقة، وهو المن الذي كان يقوم مقام الخبز عندهم، وهو مادة حلوة الطعم، يجتمع كالندى على ورق الشجر وغيره صباحا. والسلوى : يقوم مقام سائر اللحوم، وهو طير أكبر من السّماني.
سخّر اللّه تعالى هذه النعم لقوم موسى وهنأهم بها، وأذن لهم بالانتفاع بها، فقال اللّه لهم : كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ أي تمتعوا وانتفعوا بهذه اللذائذ المستطابات، فهي نعم خصصناها بكم، فما عليكم إلا شكر النعمة، ولكن القوم جحدوا النعمة وبطروا بها وتكبروا عنها ولم يشكروها، فظلموا أنفسهم وأضروها فقط، وما ظلموا المنعم عليهم أبدا، لأن الإنسان إذا أقدم على المعصية، فهو ما أضر إلا نفسه، حيث عرّض نفسه للعقاب الشديد، ومن ظلم نفسه كان لغيره أظلم، ومن ضيّع مجده كان لمجد أمته أضيع. ولو صلح القوم على أمر اللّه، لكان لهم شأن آخر، وكانت ألوان النعم الكثيرة كالسيل الهادر يغدقها اللّه عليهم.