تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٧٦٣
لئن آتيتنا ولدا صالحا تام الخلق، سليم الفطرة، لنكونن لك من الشاكرين نعمتك وفاء وعرفانا بالجميل.
فلما آتاهما اللّه ما طلبا، ورزقهما ولدا صالحا سويا كامل الخلقة، جعل الزوجان أي بعض بني آدم لله شركاء فيما آتاهما وأعطاهما، بأن سمياه عبد الحارث، والحارث : اسم إبليس، أو سمياه عبد العزى أو عبد مناة أو عبد شمس أو اللات، فتعالى اللّه عما يشركون، أي تعاظم وتنزه اللّه عما نسبوا له من الولد والشريك، هذه صورة حالة هؤلاء المشركين في جهلهم واعتقادهم بالشرك.
ثم ناقش اللّه هؤلاء المشركين وفنّد أقوالهم، ونقض الشرك من جذوره، فقال تعالى : أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) أي أيشركون ما لا يستطيع خلق شي ء، وإنما اللّه هو الخالق لهم ولأولادهم ولكل مخلوق، وهذه الأصنام أو الشياطين مخلوقة مصنوعة، لا يستطيعون لعابديهم تحقيق أي معونة أو نصر، بل إنهم لا يتمكنون من نصر أنفسهم على أعدائهم، بإهانة أو سب أو أخذ شي ء مما عندهم من طيّب أو حلي، فلا نصر لأنفسهم على من أرادهم بسوء.
هذا كله إنكار من اللّه على المشركين الذين عبدوا مع اللّه غيره من الأصنام والأوثان، وهي مخلوقة لله، مربوبة، مصنوعة لا تملك شيئا من الأمر ولا تضر ولا تنفع، ولا تسمع ولا تبصر، ولا تنتصر لعابديها، لكونها جمادات، بل إن هذه الأصنام إن دعاها عبّادها إلى ما هو هدى ورشاد، لا يستجيبون لهم ولا ينفعونهم، فهم في كلا الحالين : حال عبادتها وترك عبادتها عديمو النفع، سواء عليكم أيها المشركون دعاؤكم إياهم، أو سكوتكم عن دعائهم في أنه لا فلاح معهم، ولا خير يرتجى منهم، إذ هم لا يفهمون الدعاء، ولا يسمعون الأصوات، ولا يعقلون الكلام.
ومثل من كانت هذه صفته، لا يصلح ربا معبودا، وإنما الرب المعبود هو السميع