تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٧٨٤
الموازنات بين أهل الإيمان وأهل الكفر والعصيان، فإذا كان الشأن في غير المؤمنين ألا يسمعوا لأوامر اللّه ورسوله، وألا يطيعوا مطالبهما، فإن شأن المؤمنين والامتثال والطاعة، تحقيقا للسعادة، وللظفر برضوان اللّه وجنته، لذا أمر اللّه عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله، وزجر عن مخالفته والتشبه بالكافرين المعاندين.
ومعنى الآية : يا أيها المتصفون بالإيمان، المصدقون بالله والرسول، أطيعوا اللّه والرسول في كل ما دعاكم إليه من أحكام التشريع في الدنيا والآخرة، والدعوة إلى جهاد الأعداء وترك الركون إلى الراحة والمال والشهوات والأهواء. ولا تتركوا الطاعة بحال، فإذا أمركم اللّه بالجهاد وبذل المال وغيرهما، امتثلتم، والحال أنكم تسمعون كلامه ومواعظه، وتعلمون ما دعاكم إليه القرآن من الأحكام والآداب والمواعظ، والمراد بالسماع : هو ما يفيد ويدفع إلى العمل، وهو سماع تدبر وفهم وتأمل في المسموع، وهذا هو شأن المؤمنين، بأن يقولوا : سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة : ٢/ ٢٨٥]. وشأن غير المؤمنين أن يقولوا : سمعنا وعصينا.
فاحذروا أن تكونوا مثل غير المؤمنين الذين قالوا : سمعنا وهم لا يسمعون، وهم المنافقون والمشركون، فإنهم يتظاهرون بالسماع والاستجابة، والواقع أنهم لا يسمعون أبدا.
ثم أخبر اللّه تعالى عن هؤلاء العتاة المتمردين غير السامعين لأوامر اللّه والرسول بأنهم شر الناس أو المخلوقات عند اللّه عز وجل، وأنهم أخس المنازل لديه، وأشبه بالدواب، وشرّ المخلوقات التي تدب على الأرض عند اللّه الصمّ الذين لا يسمعون الحق فيتبعونه، ولا ينطقون بالحق ولا يفهمونه، ولا يعقلون الفرق بين الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، والإسلام والكفر، أي فكأنهم لتعطيلهم وسائط المعرفة وهي الحواس التي تكون طريقا للنفع والفائدة والخير،