تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٧٨٥
فقدوا هذه القوى والمشاعر المدركة، وهم لو استخدموا عقولهم متجردين عن التقليد والعصبية الجاهلية، لاهتدوا إلى الحق والصواب، وأدركوا الصالح المفيد لهم وهو الإسلام، إلا أنهم في الواقع فقدوا صفة الإنسان، لأنهم لا يعقلون الأمور والمصالح الدائمة، ووصفهم اللّه بالصمم والبكم وسلب العقول.
روي أن هذه الآية نزلت في طائفة من بني عبد الدار، وظاهرها العموم فيهم وفي غيرهم ممن اتصف بهذه الأوصاف.
ثم أخبر اللّه تعالى بأن عدم سمعهم وهداهم إنما هو بما علمه اللّه منهم وسبق من قضائه عليهم، بما عرفه من اختيارهم وتوجههم. فلو علم اللّه في نفوسهم ميلا إلى الخير والاستعداد للإيمان والاهتداء بنور الإسلام والنبوة لأفهمهم، وأسمعهم بتوفيقه كلام اللّه ورسوله سماع تدبر وتفهم واتعاظ، ولكن لا خير فيهم لأنه تعالى يعلم أنه لو أسمعهم أي أفهمهم، لتولوا عن ذلك قصدا وعنادا بعد فهمهم ذلك، وهم معرضون عنه من قبل ذلك، بقلوبهم والعمل به، فهم في الواقع لا خير فيهم أصلا.
وإذا سلب الإنسان أهليته واستعداده وخواصه في إدراك الخير والعمل بمقتضاه، لم يعد كفئا لأي شي ء، ولم يرج منه نفع أو خير، وكان أحق باتصافه بالصفة غير الإنسانية، وهذا هو تشبيه القرآن لهؤلاء بالدواب الذين لا يعقلون ولا يفهمون.
الاستجابة لدعوة القرآن
القرآن الكريم دعوة صريحة حاسمة للسعادة الدائمة، والحياة الأبدية، لأنه تضمن نظام الدين الذي هو أساس الأنظمة وسبب الفلاح والصلاح وقاعدة التحضر والتمدن والاجتماع الفاضل، ولقد كان القرآن العظيم سبب عزة العرب والمسلمين قاطبة، وباعث نهضتهم وطريق الحفاظ على وجودهم وكرامتهم واستقلالهم، ودحر