تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٧٨٦
كل أساليب الاستعمار الحاقد البغيض، قال اللّه تعالى مبينا مقصد القرآن العام :
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٢٤ الى ٢٦]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦)
«١» [الأنفال : ٨/ ٢٤- ٢٦].
تتضمن الآيات الأمر القاطع للمؤمنين بإجابة اللّه والرسول بالإصغاء والطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواه، لأن دعوة اللّه والرسول دعوة لما يحييكم حياة طيبة أبدية مشتملة على سعادة الدنيا والآخرة، وفيها صلاحكم وخيركم، وفيها كل حق وصواب، وذلك شامل القرآن والإيمان والجهاد وكل أعمال البر والطاعة، والأمر للوجوب، ومن لم يمتثل أحكام القرآن فهو ميت لا حياة فيه، كما قال اللّه تعالى : أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها [الأنعام : ٦/ ١٢٢]. والغارق في الضلال والكفر والجهل ميت مجازا وإن كان في الظاهر حيا.
إن دعوة القرآن دعوة إحياء بالعزة والغلبة والظفر، فسمي ذلك حياة، والحياة العزيزة الكريمة في الدنيا بالتزام أحكام القرآن متصلة بحياة الآخرة. ثم حذر القرآن الكريم من التراخي في طاعة أوامر اللّه ورسوله، فقال : وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ أي بادروا إلى الاستجابة قبل ألا تتمكنوا منها بزوال العقل، وقد أراد بالقلب العقل أي يحول بين المرء وعقله، حتى لا يدري ما يصنع.
وهذا دليل حسي واضح على أن قدرته وإحاطته وعلمه تتداخل بين المرء وقلبه،