تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٧٩٤
«١» [الأنفال : ٨/ ٣٢- ٣٥].
لقد تعددت ألوان المكر من المشركين بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم حتى اضطر إلى الهجرة، وتمادوا في غيهم وضلالهم وحاولوا المكر في دين محمد، سواء بادعاء القدرة على الإتيان بمثل القرآن أو بوصفه بأنه أساطير الأولين، أي قصص السابقين المسطورة في الكتب دون تمحيص ولا تثّبت من صحتها.
وهذه الآيات إخبار من اللّه تعالى عن كفر قريش وعتوهم وتمردهم وادعائهم الباطل حين سماع آيات اللّه تتلى عليهم، فقالوا حسدا لمحمد على لسان زعمائهم مثل النضر بن الحارث وأبي جهل بن هشام : لو شئنا لقلنا مثل القرآن، فأمر اللّه نبيه أن يقول : واذكر يا محمد حين قالت قريش : اللهم إن كان هذا هو الحق المنزل من عندك، فعاقبنا بإنزال حجارة ترجمنا بها من السماء، كما عاقبت أصحاب الفيل، أو ائتنا بعذاب أليم أي مؤلم، سوى ذلك.
ولكن اللّه تعالى جلت حكمته ورحمته أمهلهم بالعذاب إكراما لنبي اللّه محمد صلّى اللّه عليه وسلم، وأخبرهم معلنا فضله عليهم : وما كان من مقتضى سنة اللّه ورحمته وحكمته أن يعذبهم، والرسول موجود بينهم، لأنه إنما أرسله رحمة للعالمين، لا عذابا ونقمة، وما عذّب اللّه أمة ونبيها فيها، وكذلك ما كان اللّه ليعذبهم عذاب الاستئصال في الدنيا الذي عذّب بمثله بعض الأمم السالفة، وهم يستغفرون، أي إن بعض المؤمنين ما يزالوا يجاورون الكفار في مكة بعد الهجرة وهم يطلبون من اللّه المغفرة، أو أن بعض أولاد الكفار المولودين منهم يؤمنون بالله ويستغفرونه، أو أنهم في أثناء طوافهم بالكعبة كانوا يقولون : غفرانك، ولا عذاب في الدنيا مع الاستغفار.