تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٧٩٥
و يمكن أن يعذبهم اللّه بعذاب دون عذاب الاستئصال، فقال تعالى : وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي من الممكن القريب أن يعذبهم اللّه بعذاب آخر غير الاستئصال، بسبب أنهم يمنعون الناس عن المسجد الحرام، ولو لأداء مناسك الحج وتعظيم البيت الحرام.
ومن كانت هذه حالته بصد الناس عن المسجد الحرام لم يكن وليا نصيرا للمسجد، ولا يستحق تولي أمره، وإنما هم يستحقون القتل بالسيف والمحاربة، وهذا رد لمزاعم قريش الذين كانوا يقولون : نحن أولياء البيت الحرام، نصد من نشاء، وندخل من نشاء، سلب اللّه منهم الولاية على البيت الحرام، وأعلمهم أنهم ليسوا أولياءه، فما أولياؤه وأحباؤه وحماته إلا المتقون المؤمنون المسلمون، ولكن أكثر الكفار المشركين حمقى جهلاء لا يعلمون أنهم ليسوا بأولياء البيت الحرام، بل يظنون أنهم أولياؤه.
وسبب عدم أهلية المشركين لولاية البيت الحرام : هو عدم تعظيمهم له في الحقيقة، فلم تكن صلاتهم عند البيت وتقرّبهم وعبادتهم إلا تصفيرا وتصفيقا، لا يحترمون حرمة البيت، ولا يعظمونه حق التعظيم، قال ابن عباس : كانت قريش تطوف بالبيت عراة تصفّر وتصفّق.
ومن كان هذا شأنه فهو أحق بسلب الولاية منه على البيت الحرام، وأجدر بالعقاب والعذاب، فليذوقوا القتل والأسر يوم معركة بدر، بسبب كفرهم وأفعالهم التي لا يقدم عليها إلا الكفرة، وهذا هو العذاب الذي طلبوه سفها منهم وطيشا وتحديا وعنادا.