تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٧٩٦
عاقبة الإنفاق الخاسرة
يقدم كثير من الناس أحيانا على أعمال مادية طائشة لا تحقق مصلحة، ولا تجلب منفعة، بسبب الحمق والسفه، أو بسبب التعصب الأعمى والحقد الدفين، فيذهب المال هدرا، وتتبدد الثروة هباء منثورا، وعندها يقع الندم، وكل ذلك سهل في أمور الدنيا، فإن الإنفاق للصد عن سبيل اللّه ومقاومة شرعه ومحاربة القيم التي نزلت بها شرائع اللّه، يكون أسوأ عاقبة، وأشد وبالا في الآخرة، لأن فيها العذاب الشديد، قال اللّه تعالى واصفا بعض تصرفات مشركي قريش في هذا المجال :
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٣٦ الى ٣٧]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧)
«١» «٢» «٣» [الأنفال : ٨/ ٣٦- ٣٧].
سبب نزول هذه الآية- فيما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم- أن أبا سفيان أنفق في غزوة أحد على الأحابيش (الجنود المرتزقة) وغيرهم أربعين أوقية من الذهب، أو نحو هذا. والأوقية : أربعون مثقالا من الذهب، والمثقال (٢٥، ٤ غم).
وقال الضحاك وغيره : إن هذه الآية نزلت في نفقة المشركين الخارجين إلى بدر، الذين كانوا يذبحون يوما عشرا (من الإبل) ويوما تسعا من الإبل.
فالمشركون بقيادة أبي سفيان أنفقوا المال الكثير في بدر وأحد، وقالوا : يا معشر قريش، إن محمدا قد وتركم (نقصكم) وقتل رجالكم، فأعينونا بهذا المال (أي مال العير الذي نجا قبل موقعة بدر) على حربه، لعلنا ندرك منه ثأرا.
(٢) أي يساقون ويجمعون إلى جهنم، والحشر : جمع الناس وغيرهم.
(٣) فيجمعه ملقى بعضه على بعض.