تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٨١١
المسلمون بدينهم، وتقووا به، وظنوا أنهم ينصرون من أجله، فخرجوا وهم ثلاث مائة وبضعة عشر إلى لقاء زهاء ألف من قريش، وهذا صحيح في موازين القوى العسكرية الظاهرية في أنظار الناس عادة، ولكنه في ميزان اللّه وتقديره قد يختلف التقدير، فقد تغلب الفئة القليلة الفئة الكثيرة، ولم يعلم المنافقون أن من يتوكل على اللّه حق التوكل، فهو حسبه وناصره ومؤيده، فإن اللّه عزيز قوي غالب على أمره، يعز أولياءه، ويذل أعداءه، حكيم في فعله، عليم بخلقه.
والمشهد الثالث- حال الكفرة وقت الموت، وهو حال يستدعي التعجب مما حلّ بالكفار يوم بدر، وفي ذلك وعيد لمن بقي منهم، إنه مشهد رهيب مذهل لا يوصف، حيث تقوم الملائكة بضرب الكفرة بعنف وسخط، يضربون وجوههم وظهورهم بمقامع من حديد، وينزعون أرواحهم من أجسادهم بشدة وعنف قائلين لهم : ذوقوا عذاب الحريق، أي عذاب النار في الآخرة، وهو إنذار لهم بذلك العذاب. إن ذلك العذاب الشديد والضرب الأليم بسبب ما قدموا من أعمال سيئة، وارتكبوا من منكرات كالكفر والظلم في الدنيا، وهو جزاء حق وعدل، لا ظلم فيه لأن اللّه تعالى ليس بظلام للعبيد، ولا يظلم أحدا من خلقه، فهو سبحانه، الحكم العدل الذي لا يجور أبدا.
الموازنة بين عذاب المشركين وعذاب آل فرعون
يعقد القرآن الكريم مقارنة أو موازنة بين ألوان العذاب أو العقاب الذي يوقعه بأهل الضلال والكفر بسبب ما اقترفوا من آثام وسيئات، وهذه مقارنة بين عذاب المشركين المكيين وعذاب آل فرعون لأن الجزاء واحد والأسباب متشابهة، وفي ذلك عبرة للمعتبر، وموعظة لكل عاقل. قال اللّه تعالى :