تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٨٢١
يقاتلون لإعلاء كلمة اللّه، من إصلاح العقيدة، والتطهر من الوثنية، والتحلي بالأخلاق الفاضلة، وإظهار العبودية لله عز وجل بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثم خفف اللّه عن المؤمنين، فأمر الواحد منهم أن يثبت أمام اثنين من الأعداء، والمعنى :
الآن خفف اللّه عنكم لمرتبة أقل من المرتبة الشديدة الأولى، فإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن اللّه وقوته ومشيئته، واللّه دائما مع الصابرين بالمعونة والتأييد والرعاية.
وسبب النزول ما رواه البخاري وابن إسحاق عن ابن عباس قال : لما نزلت :
إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ شقّ ذلك على المسلمين حين فرض عليهم ألا يفرّ الواحد من عشرة، فجاء التخفيف فقال : الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ..
الآية. قال : فلما خفف اللّه عنهم من العدّة، نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم.
أحكام الأسرى
تحتاج كل دولة في بدء تكوينها إلى بعض الأحكام الانتقالية الصارمة، لتثبيت وجودها ومنعتها وإظهار هيبتها وقوتها، فيرهبها العدو، ولا يطمع بها الصديق، ويخضع لها أتباعها في الداخل دون تباطؤ أو محاولة التهرب من سلطانها أو تنفيذ أوامرها، وهذا ما احتاجه المسلمون في مرحلة من مراحل الدعوة الإسلامية، وإشادة الدولة في المدينة المنورة، وذلك بالنسبة لمعاملة أسرى العدو، بعد أول معركة حاسمة، سميت يوم الفرقان وهو يوم بدر الكبرى، قال للّه تعالى مبينا هذه المعاملة :
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٦٧ الى ٧١]
ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١)
«١» «٢»
(٢) حطامها بأخذ الفداء.