تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٨٢٦
و يأتي الأنصار في المرتبة الثانية بعد المهاجرين، فهم آووا الرسول والمهاجرين ونصروهم وأيدوهم، وقاتلوا معهم، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيل مرضاة اللّه.
واستحق المهاجرون والأنصار أن يوصفوا بأن بعضهم يتولى أمر البعض الآخر، كما يتولى أمر نفسه، ويكون كل منهم أحق بالآخر من كل أحد، لأن حقوقهم ومصالحهم مشتركة، لذا آخى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بين المهاجرين والأنصار، كل اثنين أخوان، وكانوا يتوارثون بهذا الإخاء المقدم على قرابة النسب، حتى تقوى المهاجرون بالتجارة وغيرها، فنسخ اللّه تعالى ذلك بآيات المواريث في سورة النساء.
ثم ذكر اللّه تعالى الصنف الثالث وهم المؤمنون الذين لم يهاجروا، وظلوا مقيمين مع المشركين في أرض الشرك في مكة قبل الفتح، وهؤلاء لا يجب على المسلمين مناصرتهم حتى يهاجروا إلى المدينة. وإذا طلبوا المناصرة على الأعداء، فينصرون إلا إذا كان الكفار المعادون معاهدين، فيجب الوفاء بعهدهم لأن الإسلام لا يبيح الغدر والخيانة، واللّه عليم مطلع على جميع الأعمال، فيجب التزام حدود اللّه وترك مخالفة أوامره.
وكان الكفار صفا واحدا في مواجهة المؤمنين، فلا توارث بين الفريقين، ويلزم احترام أحكام شرع اللّه، فإن لم تفعلوا أيها المؤمنون ما شرع اللّه لكم من موالاة المسلمين ومناصرتهم، تحصل فتنة عظيمة في الأرض : هي ضعف الإيمان وقوة الكفر، ويحصل فساد كبير : وهو سفك الدماء. وهذا يتطلب تماسك المؤمنين في مواجهة أعدائهم. والمؤمنون والمهاجرون والمجاهدون والأنصار هم أهل الإيمان الحق لهم مغفرة من ربهم ورزق وافر كريم في الجنة، وهو الدائم الذي لا ينقطع أبدا.
والصنف الرابع : هم الذين آمنوا وهاجروا بعد صلح الحديبية، وهم مع المؤمنين ومن المؤمنين، في الموالاة والتعاون والتناصر والفضل والجزاء، لكنهم في المرتبة دون السابقين الأولين من أهل الإيمان.