تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٨٢٩
كنانة، فأمر اللّه تعالى بإعلان انتهاء المعاهدات مع المشركين الناكثين عهودهم، وإمهالهم أربعة أشهر ليسيروا أين شاؤوا، فإذا انتهت هذه المدة وانقضت الهدنة قاتلوهم في أي مكان.
هذه الآية حكم من اللّه عز وجل بنقض العهود والموادعات التي كانت بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، وبين طوائف المشركين الذين ظهر منهم بوادر نقض العهد. واستمر حكم العهد والميثاق مع المشركين الذين لم ينقضوا العهد.
ومعنى الآية : تبرؤ وتخلص صادر من اللّه ورسوله واصل إلى الذين عاهدتم من المشركين، ونسبت البراءة إلى اللّه والرسول لأنها تشريع جديد من اللّه، وأمر لرسوله بتنفيذه. والمقصود : أن اللّه في حكمه وشرعه بري ء من عهود المشركين وأديانهم براءة عامة تقتضي المحاربة وإعمال السيف، بعد أن رفضوا أمان الإسلام، ونقضوا عهدهم مع المسلمين. وبادر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلى إعلام المشركين بنقض العهد، فأمّر أبا بكر في السنة التاسعة على إمارة الحج، وقام علي رضي اللّه عنه بإعلام الناس يوم عرفة بهذه الآية، إثر خطبة أبي بكر، ثم رأى الرسول أنه لم يعلم الناس بالإعلان، فتتبعهم بالأذان بهذه الآية وإعلامهم بها يوم النحر، وبعث أبو بكر مع علي من يعينه بذلك كأبي هريرة رضي اللّه عنه وغيره، فأعلموهم بها في أسواق العرب كذي المجاز وغيره، وحددت لهم مدة الهدنة بأربعة أشهر وهي عشرون من ذي الحجة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من ربيع الآخر. وكان تحديد هذه المدة ليفكروا في أمرهم، فيختاروا إما الإسلام وإما القتال. وأنذرهم اللّه بأن يعلموا علم اليقين أنهم لن يفلتوا من عذاب اللّه بالهرب والتحصين إن بقوا على الشرك وعداوة الإسلام، وأن اللّه مخزيهم، أي مذلهم في الدنيا بالقتل، وفي الآخرة بالعذاب في النار.
وتضمنت الآية إعلان براءتين : البراءة الأولى مختصة بالمعاهدين والناقضين العهد


الصفحة التالية
Icon