تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٨٣٠
منهم، والبراءة الثانية المعبر عنها بالأذان من اللّه ورسوله عامة لجميع الناس، من عاهد ومن لم يعاهد، ومن نكث عهده من المعاهدين ومن لم ينكث، وكان إعلان البراءتين يوم الحج الأكبر وهو يوم عرفة، حيث وقع أول الأذان أي الاعلام، ثم يوم النحر حيث وقع إكمال الأذان.
وصيغة الإعلان هي كما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال :«بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى :«ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» و
قال علي أيضا :«و لا يدخل الجنة إلا كل نفس مؤمنة، ومن كان بينه وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهد فهو إلى مدته، ومن لم يكن له عهد، فأجله أربعة أشهر، وأن يتم إلى كل ذي عهده عهده».
ثم أكد اللّه تعالى الاعلام أو التبليغ الفوري فقال : فَإِنْ تُبْتُمْ.. أي فإن تاب المشركون بعد هذا الإعلان عن الشرك فهو خير لهم، أي أنفع لهم في الدنيا والآخرة، وإن تولوا عن الإيمان وأعرضوا عن الإسلام، فليعلموا أنهم غير معجزي اللّه، أي غير فائتي عذابه، فإنهم لن يفلتوا منه، فإنه محيط بهم، ومنزل عقابه عليهم، ولا طاقة لهم بحرب اللّه في الدنيا، وأمر النبي أن يبشرهم- على سبيل التهكم- بعذاب مؤلم شديد في الآخرة.
ثم استثنى اللّه تعالى من مدة الأربعة الأشهر أصحاب العهود المؤقتة بمدة معينة، فإن عهدهم ينتهى بانتهاء المدة التي عوهدوا عليها، فهؤلاء تحترم عهودهم، ما داموا لم يخلّوا بشي ء من شروط العهد، ولم يعاونوا على المسلمين عدوا، كبني ضمرة وبني كنانة، لأن اللّه يحب المتقين، أي الموفين بعهدهم. قال ابن عباس : بقي لحي من كنانة من عهدهم تسعة أشهر، فأتم إليهم عهدهم.


الصفحة التالية
Icon