تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٨٩٢
البر : ولعل قول من قال في ثعلبة : إنه مانع الزكاة الذي نزلت فيه الآية غير صحيح، واللّه أعلم.
وقال الضحاك : إن الآية نزلت في رجال من المنافقين : نبتل بن الحارث وجدّ بن قيس، ومعتّب بن قشير، قال القرطبي : وهذا أشبه بنزول الآية فيهم، إلا أن قوله تعالى : فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً يدل على أن الذي عاهد اللّه تعالى لم يكن منافقا من قبل، إلا أن يكون المعنى : زادهم نفاقا ثبتوا عليه إلى الممات، وهو قوله تعالى : إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ.
فتكون الآية في بعض المنافقين الذي عاهد اللّه ورسوله : لئن أغناه اللّه من فضله، ليصدقن وليكونن من الصالحين الذين ينفقون أموالهم في مرضاة اللّه، كصلة الرحم والجهاد.
فلما رزقهم اللّه تعالى، وأعطاهم من فضله ما طلبوا، لم يوفوا بما قالوا، ولم يصدقوا فيما وعدوا، وإنما بخلوا به وأمسكوه، فلم يتصدقوا منه بشي ء ولم ينفقوا منه شيئا في مصالح الأمة، كما عاهدوا اللّه عليه، بل تولوا بكل ما أوتوا من قوة عن العهد وطاعة اللّه، وأعرضوا إعراضا تاما عن النفقة وعن الإسلام، بسبب تأصل طبع النفاق في نفوسهم.
ولما أمدهم اللّه بالرزق من فضله وإحسانه، بخلوا بإعطاء الصدقة وبإنفاق المال في الخير، وبالوفاء بما تعهدوا والتزموا، وتولوا مدبرين معرضين عن الإسلام والإيمان والإحسان. فهذه صفات ثلاث لهؤلاء المنافقين : البخل : وهو منع الحق، والتولي عن العهد وتنفيذ الالتزام، والإعراض عن تكاليف اللّه وأوامره. والعهد الذي كان من المنافقين إنما كان بالنية لا بالقول، فأعقبهم اللّه تعالى نفاقا في قلوبهم، أي صير عاقبة أمرهم نفاقا دائما في قلوبهم، أي زادهم نفاقا، أو أعقب بخلهم نفاقا، واستمر فيهم


الصفحة التالية
Icon