تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٨٩٥
بالمشاكلة أو المشابهة، فهم يستهزئون بالمنفقين ويستخفّون منهم، فيعاقبون بما يناسب فعلهم، سخر اللّه منهم وهو تسمية العقوبة باسم الذنب، وهي عبارة عما حلّ بهم من المقت والذل في نفوسهم، ولهم في الآخرة عذاب مؤلم، وهذا وعيد محض.
وهناك حكم آخر متعلق بالمنافقين، وهو أنهم كالكفار ليسوا أهلا للاستغفار، ولا ينفعهم الدعاء، فسواء استغفر لهم الرسول أم لم يستغفر لهم، فلن يغفر اللّه لهم، ولن يستر عليهم ذنوبهم بالعفو عنها، وترك المساءلة، فيكون مثل قوله تعالى : قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ [التوبة : ٩/ ٥٣] ولو فرض أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم استغفر لهم سبعين مرة، أي مرات كثيرة، فلن يغفر اللّه لهم ولن يعفو عنهم، والآية كقوله تعالى : سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [المنافقون :
٦٣/ ٦]. وليس المراد بالسبعين في الآية التحديد بعدد معين، فيكون ما زاد بخلافها، أي لا يصح أن يفهم أن الزيادة على السبعين يغفر معها، وإنما المراد المبالغة والتكثير في الكلام بحسب أسلوب العرب. والسبب في عدم قبول الاستغفار والدعاء للمنافقين هو ما صرح به القرآن الكريم : أنهم كفروا وجحدوا بالله ورسوله، فلم يقروا بوحدانية اللّه تعالى، ولم يعترفوا ببعثة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وأصروا على الجحود والإنكار، فلم تعد قلوبهم مستعدة لقبول الخير والنور، وسنة اللّه وقانونه ألا يوفق للخير القوم المتمردين في الكفر، الخارجين عن الطاعة، الذين فقدوا الاستعداد للإيمان والتوبة، وذلك هو سبب اليأس من الغفران لهم وامتناعه عنهم.
فرح المنافقين بالتخلف عن غزوة تبوك
تمتحن الأمة والجماعات والأفراد بالمحن والمواقف الصعبة أو الحرجة، فيعرف المحسن من المسي ء، والمخلص من الخائن، والصادق من الكاذب، فيكون للمحنة


الصفحة التالية
Icon