تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١١١٩
فأجابوه : سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ أي سنجتهد في طلبه من أبيه، ونحاول إقناعه بذلك برفق، وإنا لفاعلون ذلك لا محالة بمشيئة الله، ونحن حريصون على مجيئه إليك بكل إمكاناتنا، لتعلم صدقنا فيما نقول.
روي أن يوسف عليه السّلام استوفى في تلك السنين الجدباء أموال الناس ثم أملاكهم، فلم يبق لأحد في أرض مصر ومزارعها ملك. وظاهر كل ما فعله يوسف مع إخوته أنه بوحي وأمر إلهي، وإلا فكان برّ يعقوب يقتضي أن يبادر إليه ويستدعيه، لكن الله تعالى أعلمه بما يصنع، ليكمل أجر يعقوب ومحنته، ويتبين سبب محبّته ليوسف، وتتفسّر الرّؤيا الأولى، بسجود أحد عشر كوكبا له.
وقال يوسف لفتيانه، أي لغلمانه وخدمه : اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها أي اجعلوا البضاعة التي اشتروا بها الطعام، وقدموا بها للميرة، معاوضة أو بيعا، في أمتعتهم التي لهم من حيث لا يشعرون، لعلهم عند رجوعهم إلى أهلهم وبلادهم يعرفون حق ردّها وتكرمتها، فيرغبون فينا، ويرجعون إلينا حينئذ، أي بعد العودة إلى أهلهم وفتح أمتعتهم. والإنسان عادة يسرّ بأخذ الشي ء مجانا، وبردّ البضاعة التي دفعها ثمنا. وهذا إغراء واضح بالعودة، وتحقيق للغاية الكبرى، وهي لقاء يوسف مع جميع أسرته، أبيه وخالته وإخوته. وهو أسلوب ناجح، وعمل طيب ازدان به حسن الاستقبال والضيافة الكريمة، والوداع المؤثر الذي لا ينسى، من قبل يوسف عليه السّلام لإخوته الكبار، الذين أساؤوا إليه بإلقائه في البئر، فقابل الإساءة بالإحسان، وهو خلق الأنبياء والأصفياء والأولياء الكرام.